سائق يستغل أنه خفي لينظف أنفه

ملأ سائق المركبة الفضية المتوقفة على الإشارة الضوئية وقت الانتظار بتفحص أنفه واستخراج كتلة هلامية لونها أخضر شاحب يميل للاصفرار علقت بظفره، وذلك قبل أن يشرع بفركها بين إصبعيه وينقفها بلا اكتراث، مستغلاً جلوسه مع نفسه في مركبته ذات النوافذ الزجاجية الشفافة التي تجعله خفياً أكاد أستفرغ أتمنى التخلص من عيني بالأسيد ومحوه من ذاكرتي كي لا أراه.

استخدم سائق المركبة ذات اللوحة (٤٢٠ أع ع) تكتيكات مميزة لتنظيف الأنف تتدرجُ بالصعوبة والفعالية مع مرور الوقت، فبدأ باستخدام الإبهام والسبابة فوق الشفة نحو الأنف وكأنه يحاول التقاط شعرة أو حشرة تتجول على مدخل أنفه (لنسميها حركة الملقط)، ومن ثم بدأ يولج الإبهام في الفتحة ويدفع بالأوساخ إلى الخارج (حركة المخلب)، ولكن أبعاد أصبع الإبهام السمين تشكل عائق في الوصول إلى الزوايا العلوية الأكثر صعوبة، الأمر الذي يسهله استخدام البنصر الصغير بشكل دائري ينزلق إلى الأسفل والخارج (حركة المقوار) ليعود إلى حركة الملقط ويختم الوصلة بنوتة أخيرة باستعمال ظهر يده ويزيل أي سوائل متسربة (الممسحة) وهو يتلفت مطمئناً أنّ السائق الذي في جانبه منهمك بتنظيف أنفه أيضاً وسيحفظ عهد السائقين الخفيين الذين لا ينظرون إلى بعضهم بعضاً.

وليقينه أنّ رداء التخفي لا يشمل جسده فحسب، بل يمتد إلى ممارساته والمركبة بأكملها؛ فتح الباب وبصق على الأسفلت، ثم تخلص من ورق لف الشاورما وبضعة مناديل ورقية وأعقاب السجائر، قبل أن ينطلق في الشارع متنقلاً كفراشة بين المسارب دون الحاجة لاستخدام الغمّازات، وانتزاع الأولوية في أي تقاطع دون الحاجة للتلفت يميناً ويساراً، لأنه كيف لِأُناسٍ لا يستطيع رؤيتهم أن يروه بكل وضوح؟

الدراسات المتخصصة في هذا الشأن تشير إلى أنّ السائق الخفي الذي ينظف أنفه وسط الزحام هو ذات الشخص الذي يطلق ريحاً أمام الجميع أثناء سماعه الموسيقى الصاخبة على سماعاته، وهو أيضاً ذات الحيوان الذي يتجشأ من أنفه بينما تتحدث معه عن بُعد ١٥ سم من وجهه، هذا الكائن الذي تجزم الأوساط الداروينية أنّه لم ينحدر من سلالة القرود، بل من سلالة النعام الذي يختبئ من فريسته بدفن رأسه في حفرة. حيوان. منحط. غبي.