تغطية إخبارية، تحقيقات الحدود

تحقيقات الحدود: محمود درويش كتب "لا شيء يعجبني" في المكرو

فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون الفنون العامة

Loading...
صورة تحقيقات الحدود: محمود درويش كتب "لا شيء يعجبني" في المكرو

يجري تداول قصيدة "لا شيء يعجبني" للزميل الشاعر محمود درويش من قبل المستمتعين ببلاغتها ودلالاتها دون معرفة السياق الذي وُلدت منه القصيدة. فجمال الفن، كما نعلم، يولد في أقبح المواقف وأقذرها. فأناا على سبيل المثال، كتبت مقال "ما هو السوري؟" وأنا أكفكف دموعي وأضع الثلجة على وجهي بعدما سألني ضابط المخابرات الجوية بلُطفٍ من أظنُّ نفسي، وولد مقال "شركة تمنح فريلانسر فرصة تحصيل مستحقاته على شكل معاش تقاعدي" عندما وصلتني مستحقات مقالات عام ٢٠١٨ التي كتبتها للحدود.

والآن، يكشف تحقيق استقصائي أجرته شبكة الحدود بالاطلاع على وثائق سرّية من مكتب درويش ودائرة الرقابة الفلسطينية ومقابلات مع مقربين منه، يكشف أنه على عكس ما يشاع، لم يستلهم الشاعر أفكاره من التمدد والتأمل وشرب القهوة على مهل في شرفة تطل على البحر مرتديا المعطف رافعاً قبعته وأمامه مزهرية وأنثى حسناء شهية، بل من الواقع الذي يعيشه وتجاربه اليومية وأحلك الظروف وأردأ وسائل النقل العام آنذاك.

وبحسب السيد مهيار مجدحاني (٩٤ عام)، الذي كان الراكب ما قبل الأخير في الحافلة التي كتب فيها السيد درويش القصيدة ودفع عنه الأجرة، فإن درويش عندما كتب "أريد أن أبكي" لم يتوقف عن إرادة البكاء وحسب، بل بكى فعلاً عندما أطلق الراكب بجانبه ريحاً صرصراً وهو جالسٌ على المقعد الجانبي حيث كانت مؤخرته قريبة من وجه الشاعر وكان فصل الشتاء فلم يكن فتح نوافذ الحافلة خياراً.

أما فيما يتعلق بمقطع "لا الراديو ولا صُحُفُ الصباح"، فيوضح السيد مجدحاني أن درويش عبَّر عنها عندما لم يستطع التركيز بقراءة مانشيت الانتصار العربي السادس على إسرائيل في جريدة القدس ،لأن السائق العصبي كان يشغل عبر المذياع أغنية لولاكي لولا لولا بأعلى صوت عند الساعة السادسة صباحاً.

وكشفت وثائق دائرة الرقابة أن الطالب الجامعي إياه الذي درسَ الأركيولوجيا دون أَن يجدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة طلب من درويش في البداية أن يعثر له على وظيفة كونه شاعرٌ مرموق ولديه صلاته وعلاقاته مع مدراء المؤسسات ومراكز الأبحاث، لكن لجنة الرقابة في قسم الأرشيف اضطرت للاكتفاء بتحديد مجال دراسة الطالب وحذف ردّ الشاعر الذي لم يكن بأفضل مزاجٍ لتلقّي هكذا طلب لعدم ملائمته الذوق والأخلاق العامة.

ولم يكتفِ السائق بالأغاني الصاخبة عند الصباح، إذ تفيد شهاداتٌ بأنه اكتشف عند إحصاء مجموع الأجرة أن هناك نقصٌ فيها فرفع الفرامل فجأة ضارب رؤوس الركاب بالمقاعد والتفتَ إليهم غاضباً مطالباً إياهم بإكمال الأجرة وإلا واللهِ لن يكمل بهم إلى المحطة الأخيرة، فتلاسن مع الشاعر وسُمع الأخير يصرخ له "نزلني، نزلني عندك قسماً بالله أنني تعبتُ كـ* أخت هذه السفرة معك".

شعورك تجاه المقال؟