لايف ستايل، تقرير

كيف نفسّر كل هذا الإقبال على المعيشة رغم غلائها؟

فتحي العترماني - مراسل الحدود للشؤون الوجودية

Loading...
صورة كيف نفسّر كل هذا الإقبال على المعيشة رغم غلائها؟

في المطعم يحتشد الناس من كل فجٍّ عميق ثم يتأففون عندما يأتي النادل بالفاتورة. في الشارع لا تجد مترين لركن سيارتك مجاناً بسبب تكدّس الجي كلاسات التي استأجرت المواقف. وحتى في السوبرماركت ترى طابوراً عند زاوية العروض للحصول على زجاجة حليب مُنكّه إضافية بنصف ثمنها. إذن لماذا نصرّ جميعاً، وبعنادٍ لا يُفسَّر، على الاستمرار بالمعيشة إن كانت تكاليفها بهذا الارتفاع؟.

احتكار الخيارات

منذ بدء الخليقة وحتى اليوم، ما يزال سوق الوجود مُحتكَر دون أي بديل منافس. فلا يوجد حياة 2.0، ولا اشتراك مجاني لمدة أسبوع يمكن إلغاؤه، ولا حتى خيار استرداد نصف المبلغ في حال عدم الرضا.

إمّا أن تعيش، أو أن تعيش متذمراً لأنك تعيش.

يشكو المواطنون منذ سنوات من عدم تنوّع المنتجات الوجودية، ويطالبون بطرح بدائل أكثر ديناميكية، مثل نصف حياة بنصف المشاكل، لكن لا خيار حتى الآن سوى المتاح. ونتيجة لهذا الاحتكار، يضطر الناس للاستمرار في استهلاك حزمة العيش مهما ارتفع سعرها.

استمرار التمتّع بالجنس: اقتصاد اللذّة الذي لا يعرف الركود

على الرغم من التضخّم والبطالة وانهيار العملة، لا يكتفِ البشر بالاستمرار في ممارسة الجنس بكل استهتار، بل بالاستمتاع به. وهذا، بطبيعة الحال، ينعش سوق الحياة ويضمن استمراره، إذ تشير الدراسات إلى أن البشر مستعدون لتحمّل تكاليف ٢١ سنة على الأقل، مقابل ٣ دقائق تُنسيهم أنهم يدفعون ضرائب وبدل اشتراك إنترنت نصف وقته معطّل.

خبراء الاقتصاد الوجودي يؤكدون أن الجنس هو المُسَوّق الأقوى للحياة؛ إذ إنَّه مهما ازدادت الأسعار، يبقى الناس مقتنعين بأن هناك دائماً لحسات ولمسات لطيفة تستحق البقاء.

لكن الخطر ليس من الجنس، بل من كونه ينتج أطفالاً، وهؤلاء الأطفال يصبحون زبائن جدد لسوق الحياة، يعززون الطلب، ويوسّعون قاعدة الاستهلاك دون الحاجة لحملات إعلانية.

العطب التعليمي المتواصل

يواصل الآباء والمعلمون منذ عقود بيع فكرة أن الطفل –هذا الذي يعجز عن فتح علبة العصير دون صبغ قميصه– سيصبح طبيب أعصاب أو مهندس ذكاء اصطناعي أو رائد فضاء؛ فالنظام التعليمي يعمل كحملة تسويق ضخمة للحياة، تَعِد الجميع بمستقبلٍ مشرقٍ على الرغم من أن أغلب الخريجين ينتهون في مسابقات الخدمة المدنية أو في قسم شؤون الموظفين عند قريبهم العائد من الخليج الذي يريد جلب فكرة ثورية كتطبيق توصيل الطلبات إلى وطنه.

هذه الأكاذيب الصغيرة تمدّ الحياة بأكسجين إضافي، فهي تمنح الأطفال وهم وجود الأشياء المذهلة القابعة في المستقبل، ما يدفعهم للالتزام بالوجود حتى إشعار آخر قبل أن يقرأوا مقالاتٍ كهذه.

الحياة غالية؟ نعم. مُرهِقة؟ جداً. غير عادلة؟ دائماً. ومع ذلك، الطلب مستمر، والزبائن يتجددون، والمورّدون غير مهتمين بتخفيض الأسعار وليس لديهم مكتب خدمة عملاء. 

شعورك تجاه المقال؟