ابن خلدون: في سوريا.. الغالب مولع بتقليد المغلوب
عبد الرحمن بن خلدون - باحث زائر في الحدود لشؤون الدول التي تولد من رمادها
١٥ ديسمبر، ٢٠٢٥

يا قوم الحدود
وصلتني أخبار سوريا الجديدة، فأعدت قراءة المقدمة ظنًّا مني أنّي ربما كتبت فصلاً مخفياً يشرح ما يجري عندكم، إذ كنت أظن أن الدولة إذا سقطت انتهى معها ما كان من مظاهرها، لكن سوريا -حفظها الله من نفسها- برهنت أنّ الدولة يمكن أن تسقط ثم تقف لتسقط ثم تقف كأنها تلعب التمارين السويدية، ولعمري، ما رأيت قوماً يبدّلون وجه السلطة بالسرعة التي يبدّل فيها أهل زمانكم "البيو" على حساباتهم، فيصبح المرء ستاند أب كوميديان بعدما كان أبو محمد الجولاني، أو حسن دغيم عاشق الشرع بعدما كان حسن دغيم كاره الجولاني العميل.
وقد ترقبت بعد سقوط دولة بني الأسد، أخبار هذا القطر، منتظراً أن يستشهد الناس بي وبنباهتي التي تجاوزت الأزمان والأمصار، لكنني عندما نظرت في شأن حاشية السلطان الجديد دُهشت، إذ رأيتُ إدارة الشؤون السياسية تحلّ محل حزب البعث، واللجنة الاقتصادية بدل المكتب الاقتصادي، وماهر الشرع بعدما كان ماهر الأسد، والمستشار أحمد زيدان موضعَ المستشارة بثينة شعبان، وعندما طالعتُ حال القادة والجند، وجدتكم انتقلتم من النمر إلى أبو عمشة انتقالاً لا يفسّره علم العمران ولا علم الحيوان.
ولم يقتصر تقليد الغالب للمغلوب على السلطان وحاشيته، بل تعدّاه إلى جمهورهم، وهو أعجبُ ما رأيت، فسمعتُ اللغة ذاتها تُستعاد من نفسِ الكاتالوغِ السابق، فانتقلت بنا الحالُ من المندّسينَ إلى الفلولِ ومن الأخطاءِ الفرديةِ إلى الحالاتِ الفرديةِ، ومن الأسد أو نحرق البلد إلى الشّرع أو نحرق الزرع، فوجدت أنه إذا كان الغالب يقلّد المغلوب في الحكم، فالجمهور يقلّد بعضهُ، والثابت وجود المُحنِ مع تبدّل الممحونِ عليه.
لكن الحق يُقال، أنّ الذي حكم بالغلبة تفوقَ إعلامياً على المغلوبِ وألحق به هزيمةً إضافيةً، بمهاراتٍ لم أرَ مثلها في سالف الدول؛ من اكتساحٍ للشاشات، وحضورٍ على مختلف المنصّات، وإتقانٍ للماركتينغ يكفي لتسويقِ دولةٍ لو كانت من كرتونٍ مقوىً مُعادٍ تدويرهِ، لذا، أجدُ نفسي، قد بلغَ مني العجبِ مبلغاً جعلني أفكّر في تأليف مقدمة اسميها "مقدمة ابن خلدون المكوعة"،أردُّ بها على نفسي، شارحاً فيها كيف أخطأت، مثبتاً بالحجة البالغة أن الغالب لديكم مولعٌ بتقليد المغلوب، تاركاً كارَ السوسولوجيا في سوريا لأهله من ذوي البصر والبصيرة أمثال السادة الفطاحل موسى العمر وأبو أصيل*.
*الأستاذ فيصل القاسم: مقدم برنامج "أبو أصيل".