تسريب جديد يظهر الأسد مصاباً بالاحتراق الوظيفي
فهمي الخفيف - مدير قسم الموارد البشرية والدعم النفسي والمهني
٠٨ ديسمبر، ٢٠٢٥

في فيديو جديد من قبل عامين، ظهر الأسد الابن في نزهة (سيران) مع زميلته في العمل - وثالثهما في المقعد الخلفي - وهو يشكو من الإرهاق والاحتراق المهني. بشّار الذي عمل رئيساً لعقدين ونصف وبعقد عمل يستمر للأبد، بانت عليه علامات التعب من إدارته للبلاد، واضطراره للتعامل مع الشرطة والعساكر والثوار والغوطة والريف والمدينة وهذه الأشياء التي تشكل معاً ما يصطلح عليه عموماً بـ "سوريا".
فلماذا يصاب الزعماء بالإرهاق الوظيفي؟ ولماذا لا يتعاطف الناس معهم؟
المشكلة في وظيفة الأسد - أو أي زعيم أو ملك أو إمبراطور عربي - هي انسداد الأفق المهني؛ فليس هناك من منصب يطمح له المرء بعد أن يصبح دكتاتوراً. عندما يتقلد المرء منصب الدكتاتور الأوحد، ويطرش العالم بصوره وهو يحيّي الناس أو يطلق النار عليهم أو كذا، لا يعود أمامه من شاغرٍ وظيفي سوى منصب رئيس الكوكب، والذي يشغله السيد رئيس الكوكب ترامب.
يواجه الدكتاتور أيضاً "سقفاً زجاجيا" من حيث العلاوات. فبعد تبوّئه القطاعَ العام والقطاعَ الخاص وتأبّطه النفط والغاز أو الأهرامات، لا يعود أمام الدكتاتور الذي اعتلى ماليةَ البلاد كلّها ذلك الدافعُ للعلاوة الماليّة. كما أنّ القروض التي يحفى الناس طوال حياتهم لسدادها ليست أمراً يعاني منه الدكتاتور كون قروضه هي قروض البلد.
لكن فيديو الأسد يُظهر لنا جانباً قاتماً آخر من معاناة الإمبراطور-الرئيس-الملك- السلطان
المشكلة الأساسية أن الشعوب عرصات عزيزي القارئ. فلأنّ المواطن الهامل عاطل عن العمل، وعاطل بشكل عام، لا يضع نفسه مكان الزعيم الذي يعمل كلّ يوم. المواطن يكتفي بالأفأفأة والشكوى والتظاهر والحبس، متناسياً قسوة الروتين اليومي الذي يعاني منه الدكتاتور-الأب.
نرى الأسد في التسجيل المسرّب برفقة زميلته وقد قرِف أخت ر*#** أم البلاد والعباد، يقود سيارته في شوارع مليئة بالغبار الذي لم يُكلّف المواطنون أنفسهم عناء كنسه، ويضيق ذرعاً بازدحام الشوارع التي تتسبب به حواجز النظام.
الأمر اللطيف -الذي فيه درسٌ للمواطن العربي الفجّ- هو كيفية تعامل الأسد وزميلته -ورفيقهما الثالث- مع هذه المواقف. فلا تتأفّف لينا من الرحلة، ولا تُلقي باللوم على زميلها الرئيس، بل تُظهر تعاطفها معه وتتّحد وإياه في ملامة الناس والعساكر والمليشيات. أيضاً، يوضح الفيديو وعي بشّار على اصطحاب ثالث معهما في السيران، حرصاً على سمعة زميلته في مكان في العمل ودرءاً للشائعات.
آفة تتمدّد
لا يقتصر الأمر على الأسد ولونا أو لينا وزميلهما الثالث. تنتشر ظاهرة الإرهاق الوظيفي وإحراق البلد في الكثير من الدكتاتوريات في العالم العربي والعالم عموماً. لطالما عبّر بعض الملوك عن ضيقهم من الاستمرار في الحكم وضرورة تعاملهم مع الديناصورات في القصر. فعلى سبيل المثال: قال علي عبد الله صالح بشكل صريح "سئمنا الحكم بعد ثلاثين عاماً" كان علي قد لعن ** البلد خمسين مرة في ثلاثين عاماً، بمعدل ١.٤ مرة كل عام، فما الذي يمكن أن يطمح إليه بعد ذلك؟
الرئيس الفلسطيني الأبدي المستمر قاهر الموت، محمود أبو عباس مازن، ما زال يحكم ويقمع رغم أنه سئم ولم يعد قادراً على إخفاء نوبات غضبه. ومن هنا يمكن فهم التفاته إلى فن الكتابة والأدب، وتعمّقه في نشر الكتب الرسمية والفكرية في محاولة منه لكسر روتين العمالة القاسي.
الزعيم الراحل كيم يونغ إيل، وفي تسجيلات سُرّبت لمحادثاته مع فنانين اختطفهم من كوريا الجنوبية، يقول بصراحة إنه يحتقر طقوس الإمعان في التذلل وإبداء الولاء التي يمثّلها المواطنون عندما يظهر عليهم أو حين يعطس.
رئيس الكوكب يعاني من الملل ويكاد ينام في اجتماعاته. الرئيس الروسي اضطرّ إلى احتلال بلدين كي يكسر الروتين. الأسد خرج في سيران مع لونا ووقف على حاجز لحزب الله كي يختبر شيئاً جديداً. هنا نسأل: أين قسم الموارد البشريّة؟ أين برامج التطوّع؟ أين الدعم النفسي الذي لا يزال غائباً عن أهم أماكن العمل والموظف الوحيد الذي لا تصيبه البطالة؟