تغطية إخبارية، تقرير

كيف سيكون شكل المنطقة لولا بعبصة الإمارات وقطر فيها؟

فتحي العترماني - قلم بيد من يدفع أكثر

Loading...
صورة كيف سيكون شكل المنطقة لولا بعبصة الإمارات وقطر فيها؟

يقول الحديث الشريف: "​​يولد كل مولود على الفطرة؛ فحُكّامه يُطَحنِناه أو يتمِّماه".

تخيلوا معي أن نستيقظ ذات صباح ولا نسمع خبراً عن مبادرة سلام إماراتية أُطلقت من أبوظبي الساعة التاسعة صباحاً، قبل أن تنقلب في الثانية عشرة ظهراً إلى حملة أمنية ضد نفس الجهة التي تمّ السلام معها. أو أن نفتح تويتر فلا نجد جيشاً من الحسابات القطرية يشرح لنا أن الحل لكن يكون سوى بإعادة أمجاد الأمة الإسلامية، أن تنهض المنطقة دون أن تكون النية الإماراتية الطيبة أو الغيرة القطرية الصادقة قد قررتا التدخل لتصحيح مسارنا ووضعنا على الطريق الوعر الصحيح.

الإمارات: من الأبراج إلى الانقلابات.. كل شيء قابل للاستثمار

كانت الإمارات قبل الربيع العربي تُعرَف بأنها المكان الذي تذهب إليه الأموال لتتكاثر بسلام. اليوم، أصبحت المكان الذي تذهب إليه الأموال، ثم تذهب منه، لتتكاثر الفصائل.

في ليبيا مثلاً، لم تكن الحرب لتطول لولا لمسات أبوظبي الريادية. فقد نجحت في تحويل حفتر من مجرد لواء متقاعد إلى مقاول دفاعي حر لديه صفقات طائرات بدون طيار أكثر من عدد الطيارين الليبيين. وفي اليمن، نقلت الإمارات نموذج أعمالها المثالي إلى الميدان: أنشأت ميليشيات بموديلات مختلفة تناسب كل ذوق، من "النخبة الشبوانية" إلى "العمالقة" - وتعمل جميعها بخدمة عملاء ممتازة، دعم لوجستي، وخدمة توصيل سريعة إلى الموانئ.

أما في السودان، استطاعت أن تجعل من الحرب الأهلية تجربة مميزة من خلال إشعال فتيل المنافسة بتسمين أحد الأطراف وحفظ أمواله وأعماله، مع خلق طرف منافس له بتمويل من نفس المحفظة المالية.

قطر: الجزيرة التي غزت القارة

على الجانب الآخر، تواصل قطر تقديم موسمها الخامس عشر من "كيف نصنع فوضى بوجه بطولي". تبدأ الحكاية بشعار “الرأي والرأي الآخر”، وتنتهي ببرنامج "ما خفي أعظم" الذي يذكّرك أن لا رأي إلا للوثائق التي يقدمها عبدالله الخليفي للمُعدّين.

في سوريا، مثلاً، دخلت قطر الصراع بشغف الدعم الإنساني، وانتهت بدعم فصائل تجهل حتى ما تعنيه كلمة “إنسان”. وفي تونس، لم تكتفِ بتمويل الأحزاب الإسلامية، بل ساهمت في منحهم تجربة الديمقراطية القطرية، لك فيها حرية التصويت، وللحاكم حرية ترك منصبه بانتهاء مدة حكمه.

أما في مصر نجحت الدولتان بشكل متعاقب على مدار ١٢ سنة في منح الشعب المصري حق تقرير المصير بين الترحّم على أيام مبارك أو الهجرة بلا عودة.

جعلت الدولتان* للحقيقة وجهان: واحدٌ يُبَثّ من الدوحة، والآخر يُرَدّ به من أبوظبي، ونحن في المنتصف نحاول فهم من الذي يمول من، ومن الذي يدافع عن من، ومن الذي يغيّر مواقفه كل أسبوع بالتناوب.

لولاهم، ماذا كنا سنفعل؟

لولا الإمارات وقطر، كنا سنُحرَم من طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية؛ ما سيجعل الترانزيت في المنطقة أكثر عناءً، لكن بحسب استطلاع أجراه معهد الحدود العالي ٣ أمتار تقريباً فإن ٩٢٫٤٪ من مواطني المنطقة مستعدين للتضحية برحلة مريحة مرة في العمر مقابل مستقبل أولادهم.

لولا الإمارات وقطر، لكانت سماء منطقتنا مملة للغاية؛ فبعيداً عن طائرات السفر العملاقة، لن يكون هناك طائرات مسيّرة تتجول في سماء طرابلس، ولكان فضاءنا الرقمي بارد أجوف مخيف، فلا تغريدات وطنية من منافقين محترفين، وعلى الأرض لا مشاريع تطبيع تُعلن ثم تُلغى ثم تُعلن ثانية بصفات جديدة.

لولا الإمارات وقطر، كنا سنعيش في شرق أوسط عادي، فيه نزاعات بسيطة بين الشعوب وحكوماتها، لا نزاعات مدعومة من صناديق سيادية بعباءات وشماغات فخمة. كنا سنشاهد القنوات المحلية المملة بدل أن نقضي وقتنا نحاول تفكيك الرسائل التي تمررها "المشهد" لـ "العربي بلس".

إن التدخل الإماراتي والقطري في المنطقة ليس صراعاً بين محورين، بل عملية اقتصادية تكاملية بين إشعال الثورات بالإعلانات الممولة، ثم إطفائها وبسط الاستقرار بالمسيّرات.

*ملحوظة من الكاتب:
في المرة القادمة التي تسمع فيها عن "وساطة خليجية"، لا تسأل من يتوسط بين من، بل اسأل: مع أيّ من الأطراف المتصارعة يجب أن أقف بعد هذه الوساطة؟

شعورك تجاه المقال؟