قصة نجاح: مواطن سوداني توفّي عام ١٩٥٦
مايكل أبو العاص - خازن مخطوطات الحدود الأثريّة
٢٨ أكتوبر، ٢٠٢٥

إن كنت مواطناً سودانياً، أو زرت السودان، أو مررت بالسودان في رحلة تهريبك منها إلى ليبيا نحو قاع البحر، أو مهتماً بالشأن السوداني بخلاف وسائل الإعلام، فقد تتساءل عن آخر ليلة نام سودانيٌ فيها نومة هانئة واستيقظ لأنه شبعَ نوماً ليس إلّا، أو وُلدت فتاة في دارفور وعاشت حياة روتينية وماتت عن عمر ناهز الـ ٧٩ لم تختبئ خلالها في خزانة.
أنا تساءلت أيضاً مثلك، فوجدت في الأرشيف الكثير من النجاحات الباهرة، التي سطّرَ آخرها وأحدثها المواطن السوداني عبد الرحيم دلمنقني في شهر يناير من عام ١٩٥٦.
بدأت قصّة نجاح عبد الرحيم بولادته لأب وأم اتفقا على إنجابه، وعاش طفولةً عاديّة ناجحة تناول خلالها ما تيسّر من الطعام عندما جاع، وتخرّج عندما درس وعملَ عندما تخرّج، وأحبَّ وتزوّج وذهبَ إلى السوق واشترى ما توفّر من حاجاته تحت وطأة الاستعمار الجائر، وعادَ مفعماً بالذنب لأنه صرف ثلاثة قروش دفعة واحدة.
وجدنا في المصادر أيضاً ما يثبت أن عبد الرحيم كان في المساء يتجادل مع زوجته، التي هي الأخرى ولدت لعائلة بشكل طبيعي وعاشت طفولةً عاديّة تناولت خلالها الطعام وتعالجت عندما مرضت ثم تخرّجت عندما درست وعملَت عندما تخرّجت حيث التقت عبد الرحيم وأحبّته وعاشا معاً ٤٢ عاماً لم ينزحا خلالها من المنزل تحت وطأة الاستعمار الجائر، يتشاجر معها مساءً حول كمية البهارات في طبق "الأقاشي" أو بسبب الملل والروتين في كثير من الأحيان.
إنها آخر قصة نجاح لمواطن سوداني عادي، حيث حاول أبناء السيّد دلمنقني إيقاظه في أحد صباحات عام ١٩٥٦ ولم يفِق، هكذا، سنّة الحياة؛ فكان آخر من نجحَ في عدم رؤية الحروب الأهلية وانقلابات الضباط والأحكام العرفية ومجازر دارفور والحصار والتجويع والاغتصاب وعمر البشير والفترة الانتقالية الأبدية والبرهان وحميدتي، والأهم أنه لم يكن على أيامه لا قطر ولا إمارات.