تفسير أحلام اليقظة من الحدود: معاذ يحلم بالهجرة
٢٦ أكتوبر، ٢٠٢٥

القرّاء الأعزّاء، يطلّ عليكم الأستاذ الكبير وعالِم اللاوعي حلمي سهتان، ليفسّر لكم أحلام اليقظة التي تغمركم بحنين وآمال عريضة وبعيدة كل البعد عن أي معطيات واقعية.
معاذ الله عبد المنتقم، شاب في مقتبل العمر، متعلّم، مهذّب، على خلق، عاطل عن العمل. لا يريد من هذه الدنيا شيئاً سوى وظيفة تمكنه من شراء السجائر والقهوة وركوب المواصلات إلى وإلى العمل، راسلنا قبل قليل مستفسراً عن حلم يقظة يلازمه منذ أن تخرّج من الجامعة قبل سبع سنوات:
الأعزاء في الحدود،
حلمت أنني أهاجر إلى بلاد الغربة، هذه المرة الثالثة التي يراودني فيها هذا الحلم خلال اليوم، البارحة حلمت به عدة مرات أيضاً، وطوال الشهر الفائت، والسنوات الماضية. أحلم بالهجرة وأنا مستلق على السرير أو الكنبة أو البلاط، في القهوة، خلال السهرات العائلية، في مكتب العمل، أمام البنك أو الصرّاف الآلي، أمام المرآة. أرجو الإجابة بسرعة لأنه سنة ورا سنة والعمر بيجري، وأشعر باغتراب خانق لا يطاق.
العزيزة رندة*،
أحلام الهجرة التي تراودك تعني بدايةً أنك تفكّر في الهجرة، لديك حب للهجرة، ولع بالهجرة، الهجرة تجتاح جوارحك: هجرة عقول، هجرة كفاءات، لجوء سياسي، إنساني، حيواني، هجرة شرعية، غير شرعية، ولا أعتقد أن لديك مانعاً من الإبعاد القسري أو النفي.
هذه الأحلام تعني أيضاً أنك إنسان مفلس؛ دعنا من التوريات والمجاملات. أنت مفلسٌ يا علاء، مفلسٌ تماماً، ماديّاً ومهنيّاً وعاطفياً وروحياً، وتود لو تنجو بالفكرة والخلق الحسن الوحيدَين اللذين بقيا بحوزتك قبل أن تفلس منهما أيضاً. تريد الخلاص إلى حيث يمكنك تحقيق شيء من التوازن بين الموقع الجغرافي والكرامة، بدلاً من هذه الأرض المباركة التي فضّل الآباء والأجداد المرابطة فيها والتمتع بأجوائها المعتدلة وموقعها المميز فوق صفيح ساخن طرفَ شفير الهاوية في مهب الريح على حافة الإصبع الوسطى لكف عفريت مرتعش.
وتبعاً لطبيعة الحلم، وإلحاحه عليك، من الواضح أنك لن تكون متطلّباً تجاه وسيلة الهجرة ووجهتها، ولا فضل عندك لسيارة على شاحنة نقل أبقار، أو حمار، أو طائرة شراعية أو قارب مطاطي أو بطة بلاستيكية في عرض البحر أو أي حذاء ينقلك إلى أي أي مكان، حتى لو انتهى بك المطاف جاراً لمجموعة من البطاريق.
هاجر، هاجر يا فادي، قبل سنوات قال رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز لشاب سأله إن كان عليه أن يهاجر أم لا: لا تهاجر يا قتيبة، ثم صعد إلى الطائرة وهاجر إلى أمريكا. لدينا ملوكٌ يا معاذ، ملوك، يشترون عقارات ومشاريع وشركات أوف شور لِيهاجروا بعد أن ينتهوا منك. انتقل بسرعة، قبل أن يتداركوك بتكنولوجيا تلتقط أحلامك وتأملاتك ويدخلوك في إجراءات وتعقيدات تعيق حصولك على تصريح للحلم.
*ملاحظة المحرر: تتبدل الأسماء خلال النص، والسبب في ذلك عجز الأستاذ سهتان عن التركيز تحت أكوام الرسائل التي تخبره عن ذات الحلم.