هل يمكن للقاعد أن يفتي لمجاهد الآن بعد أن قعد بجانبه؟
فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون الدثور
١٣ أكتوبر، ٢٠٢٥

بعد عامين من الاستفراد بالأريكة والاتّكاء ومدّ الأرجل والحديث من وراء الشاشات وتحت المكيفات، يجد القاعد نفسه اليوم بحاجة لأن يعدل جلسته ويفسح المجال للمجاهد الذي بات يجلس معه وراء الشاشات ليشاهدا معاً وقائع قمة شرم الشيخ من بعيد؛ ما يفتح الباب اليوم أمام تساؤلاتٍ من نوع هل بات مسموحاً اليوم بعد سنتين من استفاضة الأخير بشرح أهداف الجهاد وضروراته أن يفتي الأول بآداب القعود؟ هل باتوا جميعاً اليوم أهل الدثور بعد أن تُركت الثغور لتوني بلير؟ من أين سيستلهم يوسف الدموكي وأدهم شرقاوي كتاباتهم الآن؟.
هل جاء أخيراً وقت الكلام الذي لم يكن الوقت مناسباً له طوال سنتين؟ ما مصير صكوك العمالة والجبن والتخاذل والتصهين التي استصدرتها جمعية المزاودون العرب لكل من سأل "إلى أين؟"، هل تُلغى بأثر رجعي أم تُدرج في قسم "الأخطاء الاستراتيجية" إلى جانب الستين ألف فلسطيني الذين ترحَّم عليهم خالد مشعل بحرقة وحرارة وألم؟ ومن سيعيد الاعتبار لذلك المغرّد المسكين الذي كتب يوماً إنّ الحرب لا تُدار بالشعارات، فحُذف حسابه بتهمة تكرار الرواية الصهيونية وتقويض دور مقاومة سردية الرجل الأبيض الذي تجول في غزة بقميصه الكاجوال الأزرق؟.
الآن، بعد أن وُقّعت البنود، سيقعد المجاهد هو الآخر على الأرائك التي طالما احتقرها، ي فيما القاعدون القدامى يكتشفون أنّهم خسروا احتكار الجلوس ذاته، وأنّهم بحاجة إلى هوية جديدة تميّزهم: ربما "القاعد الأصلي"، أو "المجاهد الاحتياطي".
وفي ظل هذا الاختلاط المبارك بين القعود والجهاد، وبينما الجرافات الإسرائيلية تمهد الطرق لاستقبال ترامب في غزة، يمكن للقاعد أن يفتي للمجاهد، بشرط أن يرفع صوته قليلاً لأن الضوضاء عالية في صالات المغادرين على المعابر وفي المطارات. ربما يمكنهما الآن معاً مناقشة فقه الهدنة على ضوء تجربة التفاوض دون أوراق، وتفسير معنى النصر الإلهي المؤقت بما يوافق بيانات الأمم المتحدة وقمم السلام.
وها نحن الآن، بعد أن استُبدل السلاح ببيانات الشكر لوساطة مصر وتعزية قطر بوفدها المفاوض، وبعد أن تحوّلت إعادة قطبية العالم إلى بروبوزلات إعادة إعمار برعاية البنك الدولي، نجد المجاهدين يتلعثمون على الشاشات، يحاولون إعادة تدوير كلماتهم السابقة: يضيفون "لكن" و"ربما" و"كان المقصود" إلى نبوءاتهم القديمة التي كانت يقيناً، لكن ربما مع القعود يتحسن الأداء قريباً.