تغطية إخبارية، رأي

إميل سيوران يكتب: أعطوني حبة الضغط

Loading...
صورة إميل سيوران يكتب: أعطوني حبة الضغط

اليوم، سمعتُ المذيع يقول "استقرار". قالها خلف شاشة تقطر عواجل في كل بوصة من بوصاتها الاثنتين والثلاثين. استقرار ماذا يا أخا طيـ**؟ نحن نعيش في بثٍّ مباشرٍ من الجحيم. كل نبضة قلبٍ احتجاجٌ صغيرٌ على الاستمرار، رفضٌ للاشتراك في المهزلة، "لُؤَّه" خجولة أطلقتها ياسمين عز.

استقرار. تفاؤل. تفاؤل حذِر. تفاؤل متهوّر. من اخترع كل هذا كان بحاجة لتسويق الخيبة وأدوية الضغط. فالسعادة ليست شعوراً، بل اضطراب ما بعد الصدمة. أتدري، عزيزي مُرتدي ربطة العنق الذي تستيقظ صباحاً لتزف لنا أخباراً عاجلة وكأنك تزفّ عروساً، أتدري ما أسوأ ما في أزماتنا؟ أنّها مجرّد حقيقتنا، ربُّ حياتنا، دين عيشتنا، أمُّ أمِّنا. 

هاتها. ناولني حبّة الضغط. لا أختلف عنك كثيراً، سوى أني أعمل بالبيجامة الكاروهات. مطمئنٌ إلى أنّ ما تنقله يعني لي أن لا هدوءاً اليوم أيضاً، الهدوء تواطؤ مع الخراب، مع خديعة المعنى، مع كذبة السلام. لم نُخلق لنعيش هذا العمر الطويل من الكذب إلي جانب أننا نعيش ها هنا -في هذه البقعة المباركة- لنتصبّح بخلقتك.

أين ربّ الريموت لأكتم هذا البث الأبدي للجحيم؟ أنا لستُ إنساناً حديثاً بما يكفي لاختيار نوع الضغط الذي أريده:

ضغط العمل، ضغط الشركاء، ضغط الأطراف، ضغط ١٠ مرات تكرار ٢. لم أختر شيئاً سوى التفاهم مع الخيبة التي تسمّونها تضحيات، والموت الذي يحلّ بنا رغم الوصول إلى تفاهم واستقرار وآمال، وأهم شيء التفاؤل، الحذر.

الضغط الوحيد الذي لا يرتفع ولا ينخفض هو ضغط العدم. لا يحتاج إلى مجهوداً ليكون على طبيعته، نحن من نستحضره إن غاب، نعيش كي نحافظ على مستواه. أعطوني حبّة الضغط، فلديّ موعدٌ مع البؤس، ولا أريد أن أتأخر على الشيء الوحيد الذي ما زال ينتظرني.

شعورك تجاه المقال؟