موسى أبو مرزوق: أسباب وتداعيات
مايكل أبو العاص - مُمانع الحدود لشؤون النقد الذاتي
١٢ أكتوبر، ٢٠٢٥

أسوأ ما يمكن أن يحلّ بك فوق كل ما يحلّ بك إن كنت موسى هو أن تكون أبومرزوقاً في تحليلاتك لمستقبل القضية الفلسطينية وما بعدَ السابع من أكتوبر، الذي لا يوجد عاقل يمكنه القول أنّ هدفه كان تحرير فلسطين بألف وخمسمئة مقاتل، كما ظنّ الضيف والتميمبرغوثييون في الورقتين البحثيتين: تحريرها كلّها ممكن، وتحريرها كلّها بدء. لذلك، لا بدّ من فهم هذه الظاهرة كل لا تقعد في حديثك أمام أبو طلال وزوج عمّتك أبو أميّة ملوماً محسوراً.
تقف خلف ظاهرة موسى أبو مرزوق العديد من الأسباب؛ فحينما يعيش المناضل بعيداً عن المعركة، تتغير عليه درجات الحرارة ونوعية الطعام ووفرته ونوع القهوة في الاجتماعات، وتقل نسبة الرطوبة في غرفة العمليات نتيجة المكيفات التي لا تنطفئ، ويصبر على استصدار التأشيرات ويذخّر لغته بالكلمات. ومع الوقت تتشكل لديه موسى أبو مرزوقية لها شعار وموقع إلكتروني وتصدر بيانات، للأسباب التالية:
عوامل بيولوجية:
بعد أربعين عاماً من الشهادة في سبيل التحرير، يبدأ الجسم السياسي بالدخول في مرحلة الشيخوخة الأيديولوجية، حيث يصبح التحرير أمراً غير معقولاً، والشهيد يصبح رقماً يتراوح بين مِن وإلى، واللاجئ مشكلة الأمم المتحدة والاحتلال الغاشم وليس مشكلة حماس، والانتصار بلاغة لغوية وتذكير للناس بأن القيادي ليس من يتقدم الصفوف بل من يأمر الصفوف بضرورة التقدم لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمراً، معجزة ما يا عمّي.
عوامل نفسية:
التحول الذي يصيب القيادي حين يتجاوز العمر الذي مات فيه معظم أبناء شعبه في غزة بينما هو حيٌ يرزق ويُصرّح من بيروت أو الدوحة أو تونس أو برلين، يجعله يعيش بين الشعور بالذنب لأنه لم يمت، والإحساس بالعظمة لأنه بقي، فينتج عن ذلك ظاهرة موسى أبو مرزوق يوبّخ مذيعاً سأله عن الهدف من وراء كل هذا الموت إن لم يكن التحرير.
وبينما يوجد للظاهرة العديد من الأسباب التي لا يتسع المقال لذكرها، فإن لها أيضاً الكثير من التداعيات التي تصبح نتيجة منطقية لعمر طويل من الانتصارات التي لا تُرى بالعين المجرّدة، ومن أخطر هذه التداعيات:
العمى:
في مرحلة معينة، ممكنة واقتربت، لا يعود المرء قادراً على رؤية التناقض في الموقف الرّسمي كعيب، بل كنضجٍ سياسي، أو دليل على الديمقراطية واحترام الاختلاف، أو عدم رؤيته من أساسه، أو رؤيته بصعوبة ونفيه دون أن تَحمرّ الوجنتان حتى.
النسيان:
من أمثلة تداعيات الموسى أبومرزوقية نسيان أن الفعل كان بطولياً قبل عامين وأسس للتيار التميمبرغوثي، واعتباره أمراً غير عقلاني الآن والله، وأنه ليس مهماً توضيح الهدف منه، واحترم نفسك ولن أكمل المقابلة، هكذا، عادي، ببساطة، تم النسيان بنجاح.
العمى في النسيان:
في مرحلة ما، بدأت كلها فعلاً، يصبح لا أحد يتذكّر ما القضية الأساسية ولا يرى كيف أخطأ، الجميع مقتنع بأنه كان على حق في أمرٍ ما عند مفترق طرق تاريخي معيّن. لا يبقى شيء اسمه ذاكرة وطنية أو وعي سياسي، بل مجرد شعوب هائمة على وجهها في الصحراء محاولة محو ما فشلت فيه للتو، في كل مرة.