قراءة في كرات الرئيس
فتحي العترماني - خبير في شؤون قراءة ما بين الكرات
٠١ أكتوبر، ٢٠٢٥

من يظن أن الرئيس أحمد الشرع خرج ليلعب بلياردو فقط ليلة أمس، فهو يثبت أنَّه لم يفهم مدرسة “السياسة الكروية” التي دشّنها فخامته في مقطع كرة السلة في أيار. فالمشهد ليس ترفيهاً كما يروج له بعض الفلول والقسديين والهجريين، بل بياناً رئاسياً تاريخياً مُصوّراً، خطابه: عصا بلياردو، كلماته: الكرات الملوّنة، جمهوره: شعبٌ تلاحق مُقَل عيونه دحرجات الكرة وهي ترسم مسار البلاد السياسي.
حين وجّه الرئيس العصا وضرب الكرات لتتفرّق في أرجاء الطاولة، لم يكن يُجرّب الحظ، بل كان يعلن بداية مرحلة سياسية جديدة: تفريق الأحلاف. الكرة التي اندفعت نحو اليسار مثلت روسيا، والتي اتجهت يميناً جسّدت الولايات المتحدة، أما الكرة التي توقفت في الوسط فهي “الحياد السوري” الذي يزاوج بين سويسرا وسنغافورة ورؤية ابن زايد.
أما في المشهد الذي كاد فيه الرئيس أن يسقط الكرة السوداء مبكراً فهو تحذير لإيران: "مكانك محفوظ على حافة الهاوية، لكن لم يحن وقتك بعد". وإن لم تكن إيران المعنية؛ فهي حتماً رسالة لواشنطن: "الملفات السوداء بيدي، ولا يمكن إغلاقها إلا حين أقرر".
وفي كل مرة ضغط فيها الرئيس بالعصا على الطاولة، كان ذلك بمثابة إعلاناً أن السيادة السورية ثابتة على الأرض، لا تتحرك إلا بإرادة دمشق. وحين فتح ذراعيه بعد الضربة الأخيرة، كان ذلك تطميناً أن الدولة قادرة على تنظيف الساحة السياسية في نهاية المطاف ولو لم تذهب مباشرة للحسم.
بينما يظن البسطاء أن البلياردو مجرد لعبة، يؤكد العارفون أن كل جيب في الطاولة هو محور دولي، وكل كرة تسقط فيه تعني إنجازاً دبلوماسياً. سقوط كرة في الجيب الأيمن العلوي؟ اعتراف أوروبي مبطن. كرة في الأيسر السفلي؟ توازن مع تركيا. أما بقاء كرة معلّقة على الفوهة بلا سقوط فهو رسالة تنتظر خطوة المبادرين الإقليميين.
هكذا علّمنا الرئيس أن السياسة ليست خطابات مملة ولا مؤتمرات صحفية ولا إعلام ولا نقاشات برلمانية ولا إفصاحات دورية، بل بلياردو مُتقن يُدار بعصا واحدة وكرات مصفوفة على فوهات الجيوب ودون شركاء أو منافسين.