تغطية إخبارية، رأي

هل علينا الانتظار حتى نقول أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض أم المبادرة لنُؤكل قبل الثور الأبيض؟

Loading...
صورة هل علينا الانتظار حتى نقول أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض أم المبادرة لنُؤكل قبل الثور الأبيض؟

قابيل آدم بني آدم - راعي قطيع

"أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض" هذا ما يردّده القطيع الذي لا يجيد تشبيه نفسه إلّا بالحيوانات، القطيع الذي تربّى على حكايات جدّته واقتباسات فيسبوك وتيك توك ليبدو عميقًا.

يفترض صاحب هذه الرواية أنّنا لو بادرنا جميعاً وذهبنا نحو الأسد لنعطيه درساً، فلن يستطيع ابتلاعنا دفعة واحدة. ويستشهد بالأسد المسكين في القصة القديمة، الذي لم يكن قادراً على التهام سوى ثورٍ واحدٍ كل مرّة، فاضطر لتقمّص دور ثعلبٍ مكّار ليتمكّن من خداع الثيران والاستفراد بهم. في تجاهلٍ فاضحٍ للأسد في واقعنا، صاحب المخالب والأنياب الفتّاكة والقفزات الشاهقة التي مكنته من التهام عتاة الثيران في ما لا يقل عن ست جبهات من غير أن يتعب، بل دون أن يمنح نفسه فسحةً قصيرةً لهضم ما ابتلعه، فلماذا سيعجز الآن عن ابتلاع بضعة ثيرانٍ أخرى؟

كيف بنيت قناعة أنّ المبادرة ستمنحنا الأفضلية؟ ألم تبادر ثيران الطوق ذات يوم إلى الهجوم عليه لطرده بداية ظهوره في الزريبة، فقصقص قرونها وحوافرها؟ ألم تُكرر الهجوم بعد سنوات قليلة، بعد أن توعد زعيم القطيع برميه في البحر وكانت النتيجة احتلال ما تبقّى في ستة أيام. ألم يكن لدينا محور كامل من الثيران يتوعد الأسد ليل نهار بتدميره، قبل أن يهاجم أحدهم الأسد المنشغل بمشاكل داخلية هددت بوضعه خلف القضبان كأسود السيرك، فإذا به يلتفت إلينا وقد مُنح كلّ الذرائع لالتهامنا مع الثور الأبيض والأسود وسائر الثيران الملوّنة.

إسقاط القصة الأصلية على واقعنا لا يستقيم؛ ففيها ثلاثة ثيران ذات قرون وحوافر حادّة، لكنها كانت وادعة غافلة مشغولة بأكل الحشيش في سلام حتى سَمِنَت ولم تلتفت إلى خطر الأسد وخُبثه. أمّا نحن، فلا حشيشَ يؤكَل ولا مراعٍ خضراء، إذ أهملنا رعاية المرج والاعتناء به بحجّة الانشغال بخطر الأسد، فتَصحَّر ولم يعد يُنبِت ولو حشيشة واحدة، وباتت الثيران هزيلة يُرثى لحالها، لا تستطيع مواجهة كلب الراعي، فكيف بأسدٍ ضخمٍ متوحش؟

من يضمن إن ذهبتَ إلى الأسد ألّا يغدُر بك ثور آخر وينطحك قبل أن تصله؟ ألا تعلم أنّ ثيراننا التي ماتت بفعل نطحات ورفسات ثيران شقيقة تفوق أضعاف ما التهمه الأسد؟ خصوصاً بقرون وحوافر الثور الأبيض صديق الأسد الحميم، الذي كان يستضيفه في حظيرته، وتريد أن تفزع له الآن من شدة ثورنتك.

ومن أوهمك أنّك تواجه أسداً تائهاً جائعاً وحيداً مطروداً من القطيع كالذي في القصة؟ الأسد عندنا مجرّد شبل صغير يعمل وكيلاً لدى قطيعٍ من المفترسات العليا من أسودٍ وفهودٍ ونمورٍ أشدّ فتكًا، وعلى رأسهم راعي بقر محترف بترويض الثيران التي تعتقد أنّ المناطحة الحلّ، لدرجة أن الدبّ الروسي والتنين الصيني عجزوا عن الوقوف في وجههم.

قف على الدور وانتظر قدرك؛ فأنت، حتى الآن، وللأسف، ثور، والثيران في هذه القصة، للأسف مجدداً، لا تحارب أو تُؤكل على مزاجها، بل وفق جدولٍ سياسيٍّ اقتصاديٍّ تحدّده مصالح مملكة الحيوان.

شعورك تجاه المقال؟