تغطية إخبارية، خبر

شاب سوري يروي للحدود قصة حرمانه ١٤ عاماً من ملاعب الغولف

فتحي العترماني - مراسل الحدود لشؤون أساسيات الحياة الكريمة

Loading...
صورة شاب سوري يروي للحدود قصة حرمانه ١٤ عاماً من ملاعب الغولف

عمّار، ٣٥ ربيعاً قضى ثلثها في المهجر، يستعيد شريط ذكرياتٍ مريرة عاشها في رحلة الحرب والنزوح؛ ففي أبريل ٢٠١٢، ومع توسع العمليات العسكرية للنظام السوري في محيط دمشق، لم يجد في مدينته دوما التي تمتد على مساحة تتجاوز الثلاثين ألف دونم ملعب غولف واحد يروّح فيه عن نفسه ويزيح عن صدره كاهل القصف والحصار. لم يكن لعمّار أحلامٌ كبيرة؛ حياة حرة كريمة، ولا كرةٌ تدخل الحفرة من أول ضربة.

دفع الحصار والقصف وغياب الأساسيات من غذاء ودواء وملاعب خضراء ولو بالحد الأدنى، دفع عمار إلى النزوح إلى أحد الأحياء الآمنة داخل مدينة دمشق، يقول عمار "تنقّلت في عدة منازل في دمشق.. الكثير من الحدائق الخضراء، الكثير من ملاعب كرة القدم السداسية، ولا ملعب غولف واحد، عندها أدركت وجود استراتيجية ممنهجة لدى النظام البائد لتحويل الشعب السوري إلى شعبٍ منزوع الغولفيّة".

يتسائل عمّار، "هل كان سيَبول المارّة عند الزاوية لو كانت زاوية ملعب غولف بدلاً من الجدران الاسمنتية الباهتة؟ هل كانت البراميل المتفجرة ستُحدث كمّ التدمير نفسه لو وقعت على ساحاتٍ عشبية طريّة بدلاً من الأسطح الصلبة والخزانات البلاستيكية الحادّة؟ أذكر ذات مرة سألتني ابنتي ذات الثلاث سنوات، عندما سمعت صوت الطائرة الحربية لأول مرة: ما هذا الصوت يا بابا؟ تلفتُّ حولي ولم أستطع أن أقل لها أنه صوت الكرة المنطلقة بسرعة نحو الحفرة ".

يشرح عمّار أنّ غياب ملاعب الغولف لم يكن مجرد تفصيل ترفيهي، بل جريمة موصوفة بحق جيلٍ كامل: "كيف لشعب أن يتعلّم الصبر وضبط الأعصاب تحت ضغط الحرب من دون ممارسة رياضة تُعلّمك تقبّل أن الكرة قد تضل طريقها ١٧ مرة قبل أن تصل للحفرة؟"، مضيفاً أنّ أبناءه لم يعرفوا في طفولتهم الفرق بين "الـ تي" و"الـ بار"، ولا بين مضرب حديدي و"خشبة تنكة" إلا من خلال برامج وثائقية مهربة من قنوات رياضية خليجية.

سقط نظام الأسد في ليلة الثامن من ديسمبر، وولد معه الحُلم. وما إن ثبّتت السلطات الجديدة حكمها حتى سارعت لنبذ سياسة الأسد المعادية للغولف التي امتدت لعقود: ملاعب غولف في قاسيون، ملاعب غولف في محيط دمشق، ملاعب غولف في ماروتا سيتي، ملاعب غولف في بوليفارد حمص، ملاعب غولف فوق المقابر الجماعية وملاعب غولف داخل ملاعب الغولف الموعودة، يقول عمّار "أي نصرٍ هذا الذي نعيشه؟ هل أنا في حلم؟ اضربني بالمضرب عَلّي أستيقظ". 

وختم حديثه للحدود بدمعة امتنان: "اليوم، عندما تسألني ابنتي: ما هذا الصوت يا بابا؟ أستطيع أن أجيبها بفخر: هذه ليست طائرة حربية يا صغيرتي، هذه كرة غولف تنطلق نحو مستقبلنا".

شعورك تجاه المقال؟