أنا لا أكرههم لأنهم مختلفون عنّي، بل لأنهم متشابهون بينهم بطريقة تثير اشمئزازي
١٩ أغسطس، ٢٠٢٥

أمجد عُص الدّين * - مُفكّر وكاتب مؤقَّت بانتظار وظيفة في تلفزيون سوريا
كُنّا أقليّةً في شِعاب مكّة عندما بدأت الرسالة، وفي القدس عندما فتحناها مع الفاروق عُمر، وفي الأندلس عندما دخلناها مع صقرُ قريش، لكنّنا، أبداً، لم نكن مملّين ومقرفين بتشابهنا. لم ندخّن في تلك اللحظات الصّعبة نفس نوع السجائر، ولم نشرب نفس المتّة، ولم نملك نفس الشارب، ولم نتحدث بنفس اللهجة وبذات حرف القاف.
راقبتُهُم كمن يراقب طرش خرافٍ يلتفُّ حول معلفٍ واحد. نفس الرّقاب، نفس الأصوات، نفس الإيقاع في مضغ اللبان، نفس العواء أمام الكاميرا. وهذا ما يثير الاشمئزاز أكثر من أي خصومة. إنهم غرباء عن التنوّع، ليس فيهم سُنّة إخوان وسُنّة قاعدة وسُنّة نصرة وسُنّة هيئة وسُنّة أمن عام وسُنّة تصرفات فردية، وحتى سُنّة كيوت.
لو كان بينهم واحدٌ مختلف لربّما أحببتُه، لكنهم مُلَساء كجُدران حمّامٍ عامٍ جديد لا خدش ولا شخبطة فيه. نفس الكلام "قتلونا، سبونا، حاصرونا، يكرهوننا…"، أين كنتم قبل ١٤ عاماً عندما كنا نُقتَل ونُسبَى ونُحاصَر ونُكرَه، ولكننا مختلفون بين شبّيحٍ وتاجر حروبٍ والله يفرّجٍ ومعارضٍ في تركيا ومعارضٍ في القاهرة ومعارضٍ في فرنسا؟.
لا أكرههم لأنهم مختلفون عني، بل لأنني أكره أن أرى مرآةً تعكسُ مرآةً بلا نهاية. مثل ممرِّ فندقٍ عتيق: نفس السجادة، نفس اللوحات المقرفة، نفس رائحة "الفينول" الرخيص. المشكلة ليست في أنني لا أجد نفسي بينهم، بل في أنهم جميعاً يجدون أنفسهم في بعضهم كفسيفساء لامرأة عارية.
هل يبدو وزير الثقافة كوزيرِ الدفاع؟ المختلف يُبهج، وها أنا لا أكره الأشاعرة ولا الحنفيّة ولا المالكيّة ولا العشائر ولا الأوزبك… لكن أن تراهم متشابهين، رزم ملفوفة بنايلون واحد، هنا تنفجر الكراهية. ليس لأنني مميز عنهم، بل لأنني لو استسلمت قليلاً، لو خففت كراهيتي لحظة… قد أنضم إليهم وأضحك نفس الضحكة. وهنا يا صديقي الأكثريّ ستكون نهايتنا الحقيقية.
* عن الكاتب: أمجد عُصّ الدين ناشط سوري بذل للثورة الغالي والنفيس مستمعاً لأغنية "بدنا نعبي الزنزانات". بدأ مشواره الفكري في الفيسبوك بكتابة منشورات الله يفرّج مع بعض اللمزات ضد البطاقة الذكية، ثم اكتشف بعد سقوط النظام أنه من غير الضروري أن يفرّج الله على الجميع؛ فتحوّل للعمل الصحفي من خلال إعادة نشر محتوى هادي العبد الله، قبل أن يصقل موهبته بكتابة مقال في مدونات الجزيرة بعنوان "كيف تكره دون أن تبدو طائفياً".
هذا وتحرص الحدود على إتاحة المجال أمام جميع المكونات الثقافية والخلفيات الفكرية للتعبير عن رأيها. ومن هذا المنطلق، أرسلَ لنا الزميل أمجد عُصّ الدّين معاتباً "لماذا لا تنتقدون الأقليات؟" فقلنا لهُ هات ما عندك…