تغطية إخبارية، تقرير

كيف يمكن للقيادة السورية التواصل مع المواطنين على البابلك مع الحفاظ على سرية التواصل على الإنبوكس؟

Loading...
صورة كيف يمكن للقيادة السورية التواصل مع المواطنين على البابلك مع الحفاظ على سرية التواصل على الإنبوكس؟

أحياناً نحتاج أن نسأل أنفسنا أين كنا منذ ١٤ سنة؟ إذ يبدو وكأننا لم نتعلم شيئاً مما مضى. منذ سبعة أشهر وحتى الآن لا يفتأ الشعب يطالب حكومته الوليدة الغضة بمطالب لا تنتهي، بدل الإمساك بيدها كلّما حبَت إلى أن تقف على قدميها، ويطلب متبرماً سبل تواصل أوضح بشأن أحدث القرارات والأنباء والتطورات بدلاً من المكاغاة.

كم مرّة نبهنا أنه ليس كل شيء يقال أمام الآخرين، وخصوصاً في هذا الظرف الحساس حيث هناك متربصون ونقّالوا حكيٍ للوكالات الأجنبية من الفلول والمستشرقين والفرس والانفصاليين وصبية حزب الله ونتنياهو والمجموعات المتقاطعة بينهما.

حتى الآن تتعامل الدولة بحكمة مع هذه الملفات رغم صغر سنّها، ولاحظنا أنها ولاستبدال الوجه الأمني الذي كان يسبب الرعب للمواطنين في طرق الاستدعاء والتواصل، وحرصاً منها على سلاسة التحول الانتقالي نحو سوريا الجديدة، تختار طرقاً أكثر حميمية كالاستدعاء لمكتب العلاقات العامة في إحدى الوزارات بدل فرع الخطيب.

عوضاً عن إدراك ذلك وتقديره وممارسة واجب التفاؤل، يسارع النشطاء للسخرية ونشر السكرين شوتات كلّما خاطب أحدهم الجهاز الأمني والرقابي للدولة متمثلاً بشخصيات تظهر للخلق على إنبوكس والواتساب، برسائل تتنوع ما بين دعوة لشرب قهوة إثر نشر محتوى مغرض إلى تسجيلات صوت تتضمن إرشاداً أبوياً.

عموماً، ربما يجدر بالحكومة أن تكون أكثر ثقلاً ورزانة في تعاملها مع أولئك النشطاء المتربّصين، إذ يبدو أنّ العفوية تحولهم إلى أجلاف يبدأون بالترفيس بعد أن منَّت عليهم بهامش الحريات الكبير نسبياً بشكلٍ أو بآخر، وصاروا قادرين على فتح أفواههم لأول مرة منذ خمسين عاماً؛ أولاً عبر اتباع قاعدة عدم إرسال مسجات مزدوجة، حيث يفضل انتظار رد الناشط على أي رسالة ومن ثم إرسال التي تليها. وكذلك الامتناع عن إرسال رسائل من نوع: أين أنت؟ هل لا نزال على موعدنا؟. فإن كانت خبرة عشرين عاماً في مضمار السياسة قد علمتني شيئاً فهي أنه لا أحد مشغول لدرجة عدم إضاعة ثانية للرد على مسج. إن لم يرد فهو ليس مشغولاً، هو ببساطة لا يريد.

كذلك مهما تشوقت الحكومة لمشاهدة ستوري الانستغرام للناشط، يجب انتظار ما لا يقل عن ساعة ونصف قبل مشاهدة الستوري، وثلاث ساعات لستوريز الكلوز فرندز. إن كان ولا بدّ من التفاعل فيتم الاكتفاء بلايك دون تعليقات من نوع ايموجي نار أو فواتح حديث مبتذلة من نوع: "شفتك بمنامي وأنتَ تراجع دائرة الشؤون الصحفية".

الأفضل دائماً استدراج الناشط حتى يقوم هو بالتفاعل ولعب دور الريادة وقد أثبتت التجارب عبر قرون من الزمن أن الناشط بغريزته صيّاد، لذلك على الحكومة أن تلعب دور الطريدة. حسناً، ألسنا أصحاب خبرة في هذا المجال؟ طريدة يتهاوش عليها الصيادون؟

الحكومة هنا بحاجة لمسة إبداع وهي التي أبدعت حقاً خلال ستة أشهر وحتى الآن بتصريحات مسؤوليها وبما صدر عنها، ونحن سنأخذ بيد الحكومة لتنطلق أكتر.

ننصح الحكومة أن تنشر محتوى بابليك، موجه لكلّ من يريد استقاء أخبار عامة. أخبار تخص جولات وتصريحات فخامة القائد المفدى وأخبار الزيارات المتبادلة بين معالي الوزراء على وكالة سانا. هكذا تثبتين أيتها الحكومة لأولئك النشطاء والصحفيين ما ضاع عليهم، أي حياة طبيعية تعيشين دونهم ودون مبالغة. نعم لا داعي للمبالغة، ويمكننا غض الطرف الآن عن همروجة حفل الهوية البصرية. كان ذلك مبالغاً به بعض الشيء، نرجو عدم تكرار ذلك.

بالنسبة للأخبار الأخرى الأقل أهمية مثل التعيينات والمراسيم، لا داعي لنشرها في أماكن واضحة ولا بأس بجعل الأمر مشوقاً بعض الشيء كون النشطاء هم في الأصل صيادون في لاوعيهم كما ذكرنا. وهناك الكثير من الوسائل المبتكرة سوى بثها عبر تسريبات عبر ذلك الشخص الذي لا نريد بحق الرب حتى ذكر اسمه.

من الأساليب التي تنهل من تراثنا العربي أيضاً استخدام وزير الثقافة كمنصةٍ لبثّ أبياتِ شعر مكسورة منقوصة تحمل لغزاً يتوجب فكه لمعرفة الخبر ومن الممكن – كونَ شعبية الوزير تتأرجح في منطقة حرجة حالياً – الاستعانة بشركات الإنتاج الهجينة الغريبة بين بقايا شركات سابقة ولمسة أعياد المولد النبوي التي تنمو على ضفاف الدولة الجديدة وإيجاد دورٍ للفنانين المكوعين دون مس بالأخلاق ليساعدو في مهمة نشر المزيد من الشعرِ الأصيل المليء بالألغاز في أرجاء البلاد.

من أساليب الخطاب الحكومي المحببة كذلك وعند عدم الرغبة في الإفصاح عن الأخبار بشكل مباشر، هو إيصاله بطريقة تسميع الحكي في التجمعات العامة. مثلاً تسريب خبر افتتاح مصلى في أحد الأحياء في جلسة سلم أهلي عقدت على هامش تكسير بار في الحي نفسه.

إن فشلت كل تلك الأساليب عزيزتي، تذكري أنه بإمكانك العودة لكتاب الوصفات التقليدية، وأنّ المواطن في لا وعيه رجل كهف يطرب للمساتِ التواصل البدائية وتهزه النوستالجيا. لنعد إلى سنين مضت ولتنقلي أخبارك عبر الاتصال بالمواطن بتلفون أرضي وتسميعه أغنية ذات مغزى من مسجلة الكاسيت ومن ثم تغلقي الخط بوجهه.

شعورك تجاه المقال؟