لكِ سيّدتي: كيف تحافظين على إطلالتكِ في هذا المستنقع
آدم مؤزّر - باحث عن الحقيقة
١٨ يوليو، ٢٠٢٥

يرن المنبّه، أو ساعتك الداخلية، أو أمك، أو أباك أو أخاك، أو زوجك أو ابنك أو ابن الجيران الذي خرّت أمه نائمة بعد وصلة بكاء وتبوّل ورضاعة.
تنتزعين نفسك من السرير. النعاس يثقل لسانك، لكن المَسبَّة حاضرة في بالك: على المنبه والعائلة وابن الجيران والوجود كله.
تدخلين الحمّام، تضبطين مسبّة إضافية على الحيوان الذي تبوّل واقفا، تنظفين المقعد. هل الماء صالح للتنظيف؟ للاغتسال؟ هل هذا ماء أصلا؟
تبدأين يومك، توقظين الأولاد: هيا يا حبيبي، استيقظ وأيقظ إخوتك، هيا يا أحبائي استيقظوا، لا نود التأخر، ستتأخرون، قوموا أيها الحيوانات، قوموا تقوم قيامتكم، الله يلعن الساعة التي خلفتكم بها. أنا الحمارة التي تزوجت، قوموا وإلا سأوقظ أبيكم. توقظين أباهم، فيبهدل حياة الجميع، وأنتِ أولهم.
تعدين الفطور/القهوة، توضّبين الأطفال والزوج ليومهم وترسلينهم مع ابتسامة ودعوات بالتوفيق.
أنتِ بلا زوج وأطفال؟ هنيئاً لك. املأي الفراغات التي قد يخلفها هذا النص بخصوص حالتك، فأنت ربّة ملء الفراغات المتراكمة في هذا الشرق.
لنعد إلى يومك. هل جاءت الدورة؟ على وشك المجيء؟ تأخرت بسبب التوتر؟ التوتر أخَّرها؟ ستفتحين خزانتك على أي حال لتبحثي عما يمكن ارتداؤه. تريدين لباساً جميلاً، لا يكشف كثيراً/شيئاً، ولا يخنقك أيضاً. لا يخالف تعاليم المجتمع المحافظ / الليبرالي/ المتدين/ الملحد/ التقليدي/ الحداثي/ الرجعي/ التقدمي/ التقدمي/ اليساري / اليميني/ الحذائي الذي تعيشين به، لا يخالفها ولا يخون ذوقك، لا يلفت الانتباه، ولا يمكن تجاهله، فهو جزء أساسي معادلة الإطلالة المستحيلة التي تحافظين عليها.
قبل مغادرة المنزل، تلقين نظرة وداع على الفوضى وتعدينها أن تعتني بشأنها حين العودة. حين تصلين باب العمارة، يفرح جارك المتقاعد -الذي في مقام أبيك طبعاً- ويشرع بالتحرش المستتر: صباح الخير عمّو، أهلا وسهلا عمّو، نورتِ يا عمي، ما شاء الله، ما شاء الله، مااااا شاء الله، اللهم صل على النبي، ما شاء الله، هنيئاً لأبو عادل (زوجك) بك، حفظك الله لأولادك/عروس ما شاء الله.
يستحضر هذا العمّ الحيوان ذكريات تحرش سابقة مررت بها. هل يستحضر ذكريات وصور لما يتعدى التحرش؟ ربما، لكن المتحرش القادم سيستحضرها لا محالة، وستتجاوزين رغبتك بالتوقف لخلع نيعه بحكم التجربة/ الصلابة / ضيق الوقت/ شرف العائلة/ الاعتياد/ الملل/ الحاجة للوصول إلى العمل/مقابلة العمل الذي تريدينه بشدّة بعد سنوات من التخرج، ستتجاوزينه وتتجاوزين "السيّدة" التي تعاينك بقرف من الأعلى للأسفل وتثرثر لرفيقتها بشيء حول منظرك، ستتجاوزين التعليقات وأعين البقّال والزبائن ومراهقي الحارة، وستتجاوزين الأخ سائق التكسي إن ذهبت بالتكسي، والإخوة السائقين في المركبات المجاورة، وستتجاوزين الأخ السائق والأخ الجابي والإخوة الركّاب إن ذهبت بالمواصلات العامة، وستتجاوزين البوّاب وموظّف الاستقبال.
ها قد وصلت أخيراً، بابتسامة مشرقة، وإطلالة بهيّة. كأن كل ما حدث لم يكن. فكيف تفعلين ذلك؟
كيف؟ كيف تحافظين على إطلالتك بعد كل هذا؟
انظري كم من زميل يبدو مثل فردة جارب مهترئ.
مديرك سافل، مديرك الثاني سافل أيضاً، أكثر من نصف الزملاء يتصرفون كمدراء سفلة. كم مرة تحرشوا بك/تجاهلوك/سلبطوا مقترحاتك؟ كيف تتماسكين وتحافظين على إطلالتك في مكان كهذا؟ لماذا؟
كيف تحافظين عليها حين انتهاء الدوام والمرور مجدداً بموظف الاستقبال والبوّاب والأخ سائق الباص والأخ الجابي والإخوة الركاب والسائقين في المركبات المجاورة والبقال والزبائن ومراهقي الحارة والسيدة التي تعاينك بقرف وتثرثر لرفيقتها عنك وجارك المتقاعد الحيوان.
كيف تحافظين عليها حين تجدين الفوضى في استقبالك؟ كيف وأنت تجلدين نفسك أثناء إعداد المعكرونة لأنك نسيتي إخراج الدجاج من الثلاجة قبل أن تغادري صباحاً. كيف وأنت تطعمين، وتدرسّين، وتربّين، وتستقبلين حماتك/جارتك في زيارة مباغتة لمعاينة أدائك وإطلالتك، كيف تصلين آخر اليوم، وتدخلين سريرك بذات الإطلالة حتى لا يبحث أبو عادل عن أخرى ذات إطلالة؟
هل اشتريت مكياجاً ممتازاً لا يسيل عندك التعرق أو البكاء؟ أهو البوتوكس يخفي مشاعر القرف من كل شيء؟ من أين لك بالنقود؟ أبو عادلك يؤكد أنه يفضّل الجمال الطبيعي ولن يدفع فلساً ولو على جثّته، وراتبك ناعم لأنك من "الجنس الناعم".
كيف تحافظين عليها إذاً؟ أجيبي بالله عليك، إذ لن أوجه هذا السؤال بأي شكل من الأشكال للسيدة التي تعيش في قلب المستنقع تحت الركام والقصف والتجويع، حيث الإطلالة تعني مجرد الظهور على قيد الحياة.