لايف ستايل، دليل الحدود

لكِ سيّدتي: كيف تحافظين على إطلالتكِ في هذا المستنقع

آدم مؤزّر - باحث عن الحقيقة

Loading...
صورة لكِ سيّدتي: كيف تحافظين على إطلالتكِ في هذا المستنقع

يرن المنبّه، أو ساعتك الداخلية، أو أمّكِ، أو أباكِ أو أخاكِ أو زوجك أو ابنك أو ابن الجيران الذي خرّت أمه نائمة بعد وصلة بكاءٍ وتبوّلٍ ورضاعة.

تنتزعين نفسك من السرير. النعاس يثقل لسانك، لكن المَسَبَّة حاضرة في بالكِ: على المنبه والعائلة وابن الجيران والوجودِ كلّه.

تدخلين الحمّام، تضبطين مسبَّة إضافية على الحيوان الذي تبوّل واقفاً، تنظّفين المقعد. هل الماء صالح للتنظيف؟ للاغتسال؟ هل هذا ماءٌ أصلاً؟ 

تبدأين يومك، توقظين الأولاد: هيا يا حبيبي، استيقظ وأيقِظ إخوتك، هيا يا أحبائي استيقظوا، لا نود التأخر، ستتأخرون، قوموا تقوم قيامتكم، الله يلعن الساعة التي خلّفتكم بها. أنا الحمارة التي تزوّجت، قوموا وإلّا سأوقظ أبيكم. توقظين أباهم، فيبهدل الجميعَ ويبهدلك.

تعدين الفطور/القهوة، توضّبين الأطفال والزوج ليومهم، وتُرسلينهم مع ابتسامةٍ ودعواتٍ بالتوفيق.

لنعد إلى يومِك: هل جاءت الدورة؟ على وشك المجيء؟ تأخّرت بسبب التوتر؟ التوتر أخّرها؟ ستفتحين خزانتك على أي حال لتبحثي عما يمكن ارتداؤه. تريدين لباساً مريحاً، جميلاً، لا يكشف كثيراً/شيئاً، ولا يخنقكِ أيضاً. لا يخالف المجتمع المحافظ / الليبرالي/ المتديّن/ الملحد/ التقليدي/ الحداثي/ الرجعي/ التقدّمي/ التقدمي/ اليساري / اليميني/ الحذائي الذي تعيشين فيه، لا يخالفه ولا يخون ذوقكِ، لا يلفت الانتباه، ولا يمكن تجاهله، فهو جزء أساسي معادلة الإطلالة المستحيلة التي تحافظين عليها. 

قبل مغادرة المنزل، تلقين نظرة وداع على الفوضى وتعِدينها أن تعتني بشأنها حين العودة. حين تصلين باب العمارة، يفرح جاركِ المتقاعد -الذي في مقام أبيكِ طبعاً- ويباشر التحرش المستتر: صباح الخير عمّو، أهلا وسهلاً، نورتِ يا عمي، ما شاء الله، ما شاء الله، مااااا شاء الله، اللهم صلِّ على النبي، ما شاء الله، هنيئاً لأبو عادل (زوجكِ) بكِ، حفظكِ الله لأولادكِ/عروس ما شاء الله. 

يستحضر هذا العمّ الحيوان ذكريات تحرّشٍ سابقة مررتِ بها. هل يستحضر ذكريات وصوراً لما يتعدّى التحرش؟ ربما، لكن المتحرّش القادم سيستحضرها لا محالة، وستتجاوزين رغبتكِ بالتوقّف لخلعِ نيعه بحكم التجربة/ الصلابة / ضيق الوقت/ شرف العائلة/ الاعتياد/ الملل/ الحاجة للوصول إلى العمل/مقابلة العمل الذي تريدينه بشدّة بعد سنوات من التخرّج. ستتجاوزينه وتتجاوزين "السيّدة" التي تعاينكِ بقرف من الأعلى إلى الأسفل وتثرثر لرفيقتها بشيءٍ عنكِ. ستتجاوزين التعليقات وأعين البقّال والزبائن ومراهقي الحارة، وستتجاوزين الأخ سائق التكسي إن ذهبتِ بالتكسي، والإخوة السائقين في المركبات المجاورة، وستتجاوزين الأخ السائق والأخ الجابي والإخوة الركّاب إن ذهبتِ بالمواصلات العامة، وستتجاوزين البوّاب وموظّف الاستقبال.

ها قد وصلتِ أخيراً، بابتسامةٍ مشرقة، وإطلالةٍ بهيّة. كأنّ كلّ ما حدث لم يكن. فكيف تفعلين ذلك؟ 

كيف؟ كيف تحافظين على إطلالتكِ بعد كلّ هذا؟ 

انظري كيف يبدو زميلكِ الذي لم يواجه كل هذا كفردةِ جاربٍ مهترئ. 

مديركِ سافل، مديركِ الثاني سافل أيضاً، لديكِ زميلٌ يتصرّف كمديرٍ ثالثٍ وسافلٍ أيضاً. ولديكِ -إلى جانب مهامّكِ- الزميل الزاحف، والزميل السمب، والزميل الذي يتجاهلك لتعجبي بشخصيّته لأنّه ليس زاحفاً ولا سمباً. لديك زميلتين، لكنّ إحداهما استقالت، والأخرى استقالت أيضاً. كيف تتماسكين وتحافظين على إطلالتكِ في مكانٍ كهذا؟

كيف تحافظين عليها حين انتهاء الدوام والمرور مجدّداً بموظّف الاستقبال والبوّاب والأخِ سائق الباص والإخوة الركّاب والسائقين في المركبات المجاورة والبقال والزبائن ومراهقي الحارة والسيدة التي تعاينك بقرف وتثرثر لرفيقتها عنكِ وجاركِ المتقاعد الحيوان؟ 

 كيف تحافظين عليها حين تجدين الفوضى في استقبالك؟ كيف وأنتِ تجلدين نفسكِ أثناء إعداد المعكرونة لأنّكِ نسيتِ إخراج الدجاج من الثلّاجة قبل أن تغادري صباحاً؟ كيف وأنتِ تطعمين، وتدرسّين، وتربّين، وتستقبلين حماتكِ/جارتكِ في زيارةٍ مباغتةٍ لمعاينة أدائكِ وإطلالتكِ؟ كيف تصلين آخر اليوم، وتدخلين سريركِ بذات الإطلالة حتى لا يبحث أبو عادل عن أم عادل بديلةٍ ذات إطلالة؟

أنتِ لم تتبادلي الفضفضة والبكاء والضحك على الخيبات مع صديقةِ عمركِ منذ التقيتها آخر مرة قبل شهرين، كذلك لم تجلسي مع أختك منذ مدَّة، أين ذهبت بمشاعركِ؟ أين فرَّغتِها؟ أم أنَّكِ تُخفينها؟ والله العليم أنك تُخفينها. هل اشتريت مكياجاً ممتازاً لا يسيل عندك التعرّق أو البكاء؟ أهو البوتوكس يُخفي مشاعر القرف من كلّ شيء؟ من أين لكِ بالنقود؟ أبو عادلكِ أكّذ كذا مرّة أنّه يفضّل الجمال الطبيعي ولن يدفع فلساً على هذه الأشياء ولو على جثّته، وراتبكِ ناعم لأنّكِ من "الجنس الناعم".

كيف تحافظين عليها إذاً؟ أجيبي بالله عليك. فأنا لن أجرؤ على توجيه هذا السؤال للسيدات اللواتي يعشن في منتصف المستنقع، حيث الإطلالة تعني مجرّد الظهور على قيد الحياة.

شعورك تجاه المقال؟