الخوف من انزلاق الفوضى إلى المنطقة
مايكل أبو العاص - خبير الحدود لشؤون القُرَى الظَّالِمِ أَهْلُهَا
١٥ يونيو، ٢٠٢٥

مع كل صاروخ يسقط أو يُقلِع، يبدأ الجميع بالتحذير من انزلاق المنطقة إلى الفوضى، ولكن ما مدى صحّة هذا التحذير، وهل من المنطقي إطلاقه كل ربع ساعة بالتزامن مع التطورات المتسارعة منذ الحرب العالمية الأولى؟ وهل يحذّرون الطرف الصحيح أم أن الخوف يجب أن يكون على الفوضى وليس المنطقة؟
صحيح أن البشر يخشون الفوضى وحالة اللايقين، لكن ليس عندنا، فاللايقين عندنا متأقلم ومتعايش ويحتسي الشاي الحلو ويتعاطى الكبتاغون ويتداول في العملات الرقمية، ويدرس هندسة مدنية ويكمل ماجستير إدارة أعمال ويعمل سائق تكسي ويزيّن سيارته بصور صدام حسين، والقلق يجب أن يكون على الفوضى ووضعها النفسي والاجتماعي والسياسي إذا ما غضب الله عليها وانزلقت عندنا.
فالفوضى تحلّ عادة في مكان مرتّب منظّم قائمٍ عامرٍ صاغ سليم متين مترابط متماسك، وحين تحطّ رحالها تحب أن تجد ما يمكن تدميره: مؤسسات، بنى تحتية، حدائق عامة، نظام رعاية صحيّة، جيوش قوية، أمن واستقرار، اقتصاد، كروز دخان صالح للاستهلاك البشري؛ فتهدم وتفرُط وتَحِلُّ وتُقيمُ ولا تُقعِد؛ فهل يرى الزعماء والخبراء والمحللون أي من هذه الأركان متوفّرة في المنطقة ليخشوا من انزلاقها إلى الفوضى؟
في المقابل، ماذا لو انزلقت الفوضى ووقعت على طقم أسنانها بسبب حفرة تركها مشروع إصلاح توقّف منذ ٢٠١١ في المنطقة، أو صاروخ فرط صوتي أو غارة إف-٣٥؟ ما مصير سمعتها وتاريخها ومكانتها كورقة تُهَدَّد بها عواصم تليق بها، كيف سيخشاها العالم إذا ما شاهدها عبر شاشات التلفاز تتسوّل في شوارع غزة أو بغداد أو دمشق أو طهران؟ ماذا سيبقى منها للأجيال القادمة إذا تعرضت لمجزرة إسرائيلية أو لحبس إداري في عوفر، أو هاجمتها قوات حفتر أو البسيج أو الحشد الشعبي أو الدعم السريع، أو وقعت في قبضة مقداد فتيحة أو ذو القرنين زنور البصر عبد الحميد؟
اتركوا الفوضى بحالها يا عمّي، أبعدوها عنّا وحافظوا عليها كضمانة محترمة تجعل الأمم تتعقّل وتخشى الانزلاق فيها، خصوصاً وأننا قادرون على تدبّر أمورنا واعتياد المشهد وعين الله علينا؛ نعيش ونتقاتل ونتصالح ونتحالف ونتخاصم ونكفّر بعضنا ونتّحد ضد عدوّ مشترك ونقاتل إلى جانبه بعضنا البعض ونموت وأمورنا طيّبة.