لغز الحمار
ممدوح حمادة - -
٢٨ مايو، ٢٠٢٥

بدأ المحيطون يلاحظون اهتمام بهجات بموضوعٍ يشغل باله. لم يعرف الناس ما هو بالضبط، لكنهم لاحظوا ظهور صور لأنواع مختلفة من الحمير على الجدار، كُتِب تحت كلٍّ منها معلومات وافية عن نوع هذا الحمار أو ذاك، إلى جانب مخططاتٍ تشريحيةٍ لدماغه، وُضِعت عليها علامات لم يعرف المراقبون ما هي.
وبلغت درجة الاستغراب أقصاها عندما أخذ يسجّل نهيقها ويحلّل ذبذباتها، وكان يُسمع من نافذته أحياناً نهيقٌ صادرٌ عنه شخصياً، في محاولاتٍ لفك أسرار صوت الحمار. بعض السذّج اعتقدوا أن بهجات قد جنّ جنونه، لكن من يعرفه عن قرب كان يثق بمقدراته العلميّة، وأكّدوا أن وراء ما يفعله غاياتٍ علميّة.
بعد فترة، توقّف بهجات عن الاهتمام بموضوع الحمار، وعاد إلى ممارسة حياته العادية. أحد الحكماء الفضوليين سأله عن سبب اهتمامه بالحمار، ولكي لا يبدو غبيّاً، أردف قائلاً: هل لذلك علاقة بالطاقة البديلة مثلا، أو شيء من هذا القبيل؟ أم أن هذا سرٌّ من اسرار الدولة لا يجوز الحديث عنه؟ تجسّس أو ما شابه مثلا؟ فأوضح له بهجات ببساطة:
- لا، كنتُ فقط أحاول دراسة تجربة الحمير لعلّنا نستفيد منها.
- أيَّ تجربة تقصد؟ سأل الحكيم، فردّ بهجات:
- عمرنا مئات آلاف السنين، أما عُمر الحمار فيُقدَّر بـ ١٢٠٠٠ سنة فقط، فكيف تعلم خلال هذه الفترة القصيرة ما لم نتعلّمه نحن في مئات آلاف السنين؟
- وما هو هذا الذي تعلّمه الحمار ولم نتعلّمه نحن؟
- تعلّم ألّا يسقط في الحفرة مرتين، ما الذي ينقصنا عن الحمار؟ هاا؟
ابتسم الحكيم ابتسامة خبيثة وقال:
- لا داعي للعلم من اجل تفسير ذلك؛ الذي ينقصنا هو أنّ الحمار صاحب القرار في تحديد خطّ سيره، أما نحن، فألفُ حمارٍ يقرّر كلّ خطوةٍ نخطيها. كما أن كثيرين يتعمّدون السقوط لكي يثبتوا أنهم ليسوا حميراً.