ألا يتعب كف العفريت من حمل المنطقة طوال الوقت؟
فتحي العترماني - مراسل الحدود من وراء الطبيعة
١٣ مايو، ٢٠٢٥

ما إن تنجح المنطقة في الخروج من عنق زجاجة حتى تدخل في نفق مظلم، تعبره ليبدأ المنعطف التاريخي، ومن هناك تنطلق إلى المحطات التاريخية التي تفصل بينها لحظاتٌ مفصلية وصولاً إلى الأحداث الفارقة. لكن في ظل كل هذه المتغيرات، يبقى الثابت هو تموضع المنطقة على كفّ عفريت راسخةً لا تتزحزح، إلا أنَّ الجميع يسأل عن المنطقة، لكن لا أحد يسأل عن العفريت.
هل كفّه بخير؟ ألم تتيبّس مفاصله من ثقل المنطقة الإقليمي والتاريخي؟ ألا تنغز العقدة بين العالم القديم والجديد جلدهُ؟ ألا يحتاج إجازةً يضع فيها المنطقة على الرف قليلاً إلى جانب المناطق الأخرى المملة وغير المفصلية كاسكندناڤيا وشرق آسيا؟ ومن ثم من الذي ضحك عليه وأقنعه أن يحملها كل هذه السنوات؟
تحقيق خاص للحدود أخرجَ العفريت لأول مرة عن صمته الذي لازمه منذ أن قرّر أجدادنا الزراعة في أراضي العراق القاحلة بدلاً من عبورهم من إفريقيا نحو أوروبا في القوارب كما سيفعل أبناؤهم لقرون، ومنذ أن ارتأى الصينيون أن يعبروا بخط حريرهم من الجبال والصحاري بدل التنعّم بوديان جورجيا نحو أوروبا.
وكشف هذا التحقيق أن الحكاية بدأت مع العفريت منذ أن كان شاباً غضّاً في مقتبل عمره الجيوسياسي، يتسكع في متاهات الميتافيزيقا يبحث عن وظيفة بنصف دوام، إلى أن صادف إعلاناً غامضاً في صحيفة منقرضة، يطلب "عفريتاً يحمل منطقةً متقلبة ذات طابع درامي مع إمكانية التفرّغ التام". ظنّها مزحة في البداية، لكنه قرر التقدم، خصوصاً أنه يمتلك أصابعاً مرنة وسيرة ذاتية فيها خبرة متقدمة في رفع أوزان نفسية ثقيلة خلال طوفان نوح، دون انزلاق غضروفي إلى الهاوية.
والمفاجأة التي خرج بها التحقيق، أن العفريت منذ تلك اللحظة، بدأ يعاني بالفعل من أعراض غريبة مثل تشنجات في المفاصل مع كل اجتماع طارئ للجامعة العربية، وخدرٍ مفاجئ مع كل بيان دولي يدعو إلى "التهدئة وضبط النفس". ورجفة في الأطراف كلما اقتربت الذكرى السنوية لاتفاقٍ لم يُنفذ، أو مع صدور تصريحات تقول إن الأزمة "تمرّ بمرحلة حرجة".
وعلى عكس المتوقع، فالعفريت ليس كائناً خارقاً، بل مجرد موظف متعاقد على بند الفوضى الخلّاقة، يتعب مثلنا ويشتكي من نقص العلاجات والخدمات الصحية وانقطاع مراهم اليد، وعدم توفير الإدارة وسادة صغيرة له يريح عليها الكوع.
واتضح في التحقيق أن العفريت يحنُّ في هذه الأيام إلى قمقمه ويفكّر جدياً بالتقاعد المبكّر، وينتظر أي إشارة من قادة المنطقة أنهم قد كبروا وباتوا قادرين على التفاوض مع بعضهم كأنداد، أو علَّهم يتذكرون أن المنطقة قد تكون قادرة على الوقوف على أقدامها إن تجرأت على النزول عن كفّه بعد إمضائها كل هذه السنين مدللة محمولة.