تغطية إخبارية، تقرير

شكاوى وإيذاء للبيئة وأبحاث مهدورة: القصة الحقيقية لمداهمة الملهى في العاصمة السورية

عبد الدافش نكاشة - -

Loading...
صورة شكاوى وإيذاء للبيئة وأبحاث مهدورة: القصة الحقيقية لمداهمة الملهى في العاصمة السورية

لم يعد فريق العلماء (الذي يضم عالمةً للتنويع) قادراً على إكمال أبحاثه للمساء التاسع على التوالي، فالضجيج القادم من الملهى المجاور، منَعَ أي قدرة على التركيز، هذا فيما انعكست الصيحات الماجنة والموسيقى الهادرة والأقدام الدابكة والكعوب الضاربة اهتزازاً داخل المختبر رقصت على وقعه أنابيب الاختبار والعيّنات وأجهزة الفحص.

 بدا الملهى عائقاً أمام استمرار حركة البحث العلمي في سنغافورة الغربية من انقطاع الكهرباء وتردي خدمة الإنترنت، فنور الإيمان كان كافياً للتأكد من صحة المقادير، بينما اعتمد العلماء على ذاكرتهم الرصاصية والشلف والمراجع الورقية لتحل محل محركات بحث الشبكة العنكبوتية، لكن أي حل لمواجهة هذا الضجيج الذي يخترق العقول ويعذب الأرواح؟.

ورغم أن الفريق عضّ على وجعه في الأيام السابقة على أمل أن تتحسن حركة السياحة في البلد، إلا أن الوضع تجاوز كل حد، ولا ننسى كمان أن الأدب فضّلوه على العلم والسياحة باتت علماً نهاية المطاف. وبعد تشاور سريع وهم يرتدون جميعاً المآزر البيضاء والنظارات الطبية، قرر العلماء والعالمات تقديم شكوى لوزارة الداخلية مفضلين سلوك طريق القانون المعتاد في هذه المنطقة من العالم.

ما لم يكن يعرفه فريق العلماء والعالمات أن شكواهم ضد هذا الملهى ليست الأولى، بل إن شكاوى متعددة وصلت لوزارة الداخلية ودوائر القضاء وإدارة المحافظة ونقابة الفنانين والمديرية العامة للآثار والمتاحف وقسم الإحصاء في وزارة التموين حول هذا الملهى بالذات، هذا عدا عن عشرات الرسائل عالخاص من بروفايلات حقيقية ومجهولة والتي وصلت لإنبوكس الصحافي المهني المتوازن حذيفة ساسين، وجميعها من عائلات مستورة تُشبهنا تشكو هذا الملهى وما يسببه من انقطاع في حركة المرور واعتداء على حياة الآمنين وإزعاج لنوم الأطفال وتخريب للممتلكات العامة وتحطيم للممتلكات الخاصة وتشويه بصري وإتلاف سمعي ومشاكل صحية وتفاقم لتعاطي المخدرات وتهريب للرقيق الأبيض – والأسود حتى – وغيرها.

كانت قائمة الشكاوى المقدمة للجهات العامة تضم خطاباً من إمام المسجد المجاور الذي يصلّي فيه السوريون جميعاً على اختلاف طوائفهم، والذي طالما اشتكى من عدم قدرته على رفع صوت الأذان بسبب الموسيقى الصاخبة المنبعثة من حلبات الرقص والتهتك، هذا على الرغم من استجداءاته المتكررة لإدارة الملهى لخفض الصوت لدقائق معدودات خلال الأذان على الأقل، دون أن يجد تضرّعه هذا أي تجاوب. بينما احتج كاهن الكنيسة الملاصقة للمسجد من ذاك الضجيج الفاحش الذي لا يحول دون خشوع المصلين في كنيسته فحسب، بل يمنع كذلك العناق المنتظر دائماً بين صوت جرس الكنيسة وأذان المئذنة، والذي يعد دليلاً لا لبس فيه على التناغم والانسجام والعيش المشترك مما تّشتهر به سنغافورة الغربية.

اللائحة الطويلة من مقدمي الشكاوى بحق هذا الملهى تضم أيضاً حضانة الأطفال المجاورة (الملهى الحقير يعمل ليلاً ونهاراً بل إن إعلانه الترويجي يقول حرفياً: يستقبل الملهى روّاده طيلة ساعات اليوم وكل أيام الأسبوع)، ودار العجزة المجاورة للملهى، والمستشفى الحديث المجاور للملهى والذي يقدم خدماته على أحدث طراز للمرضى مجاناً، والدائرة الحكومية التي تخدم المواطنين والمجاورة للملهى، والجامعة المجاورة للملهى التي تصدّر أبحاثها للعالم سنوياً، ومجلس الحي السكني المكتظ الذي يقع الملهى في وسطه تماماً، ومرتادي الحديقة الجميلة بأشجارها المشذّبة المجاورة للملهى، والملهى المجاور للملهى، والملهى الثالث المجاور للملهيين السابقين (عموماً، يُعتقد أن مساحة الملهى تمتد لعدة كيلومترات مربعة). 

لأسابيع وأسابيع، استقبلت الجهات المختصة الشكوى تلو الشكوى، لكنها وفيما كانت تدير ظهرها للعالم، أو بالأحرى لأنها أدارت عمداً ظهرها للعالم، وحاولت أن تستوعب السوريين كل السوريين في أحضانها، فتلك هي أولويتها التي لا تتقدمها أولوية، فإنها طوت الشكوى تلو الشكوى، وأخفتها جميعاً في دروجها الطافحة، كي لا يشعر أي من إدارة الملهى وروّاده بالإقصاء في سوريا الجديدة، عفواً، سنغافورة.

لكن وقاحة إدارة الملهى وروّاده العرصات فاقت كل حد، فهم لم يكتفوا بالاستمتاع بأوقاتهم في داخل الملهى، بل إن علامات السعادة ظهرت على وجوههم الفاسقة خارج الملهى كذلك، هذا بينما لم يعد إنبوكس الزميل حذيفة ساسين يتسع للمزيد من رسائل أولياء الأمور وأرباب الأسر.

وبعد أن بلغ سيل الشكاوى زبى دروج المسؤولين، استصدرت وزارة الداخلية إذناً بتفتيش الملهى وفق الأطر القانونية المعتادة، وأرسلت فريقاً صغيراً يضم بعضاً من مسؤوليها الحاصلين على شهادات جامعية مزورة وجمعاً من أعضائها غير المسلحين إلا بالأخلاق الحسنة نحو الملهى، بالمحصلة الجماعة رايحين على مكان رقص وسهر مو على جبهة حرب، فليس من حاجة لخماص البنادق ورصاص الطبنجات التي اعتاد عضو الوزارة فريد الفردي أن يمتشقها في مناسبات متفرقة كثيرة. 

وصل فريق وزارة الداخلية إلى بوابة الملهى وطلب من حراس الملهى المدججين بشتى أنواع الأسلحة السماح لهم بالدخول وعرضوا عليهم إذن التفتيش الرسمي. تعنّتَ الحراس في رفضهم السماح للفريق بالدخول، وشوّشتِ الجلبة الهائلة المنبعثة من الداخل على التواصل بين الحراس وفريق الوزارة (لا نتغافل أن جوهر المشكلة كانت الضجة والإزعاج الدائمين من الملهى). فما كان من فريق الوزارة إلا أن عبر البوابة بعد دفعه رسوم الدخول كغيره من الزبائن. في الداخل، هال الفريق ما رآه من تجاوزات قانونية، فالبعض كان يغني، والبعض الآخر كان يرقص، والبعض الثالث كان يشرب، والبعض الرابع كان يتمايل على القاعد كما يفعل أزواج العمّات في الأعراس عادة، هذا بينما المعازف لا تتوقف. ورغم كل هذا، تعالى فريق الوزارة على الجراح، بل فعل ما لا يمكن تصوره في سوريا: اضطر إلى تجاوز القانون، كي يصل مع إدارة الملهى إلى حل وسط، تقوم بموجبه إدارة الملهى بخفض الصوت قليلاً واحترام المؤسسات المجاورة لمبنى الملهى بالحد الأدنى، فيما تكفل وزارة الداخلية حسن سير عمله وحماية إدارته ورواده جسدياً ومعنوياً.. والله ولي التوفيق.

لكن غرفة سوداء في مكان ما خارج البلاد، كانت تحيك مؤامرة بحق الديمقراطية السورية الوليدة، وتروج لرواية منقوصة مشوهة عمّا جرى في الملهى. لكن اطمئنوا، فهذا ما سيوضحه بشكل واف أحد حرّاس القانون المحامين الوطنيين، ويتوّلى الزميل حذيفة ساسين نشره عبر حسابه الموثق بالعلامة الزرقاء بما لا يدع مجالاً للشك.

شعورك تجاه المقال؟