من يفوز بقلمي؟ شلّة الحريّات أم الصحناوي؟
٠٥ مايو، ٢٠٢٥

حازم كفى
من يتابع الشأن اللبناني مؤخّراً، لا يمكن أن تفوته الحملة العنيفة التي أطلقها ميشال المرّ وقناة "إم تي في" ضد منصّات الإعلام المستقل مثل "ميغافون" و"درج" وجمعية "كلنا إرادة"، بتوجيه اتهامات خطيرة إليها، تتمثل في إفقار اللبنانيين، ودهورة الليرة اللبنانية، وإسقاط الوضع الاقتصادي المتردي. حملةٌ يمكن أن تكون "ليتها الحدود" الأبرز لهذا العام.
وبصفتي صحفياً ومراسلاً من لبنان، ومهتمّاً بالشأن اللبناني، أشعر أنّ الوقت قد حان لأُدلي بدلوي في هذا الملف. لكنّ حساباتٍ مهنيّة حتّمت عليّ التريّث قبل الكتابة. ومن باب الشفافيّة، فإنَّ لهذه الحسابات ارتباطاً مباشراً بمن سيدفع، وماذا سيدفع، وكم سيدفع؛ فإن دفعت جماعة "إم تي في" أكثر، تبنّيتُ روايتهم واعتبرتُ "درج" و"ميغافون" و"كلنا إرادة" منصّاتٍ عابثةً تخريبية. ولو دفعت "كلّنا إرادة" و"ميغافون" و"درج" أكثر، لكشفت كم أنّ "إم تي في" قناةٌ تحريضيّةٌ تحريفيّةٌ مضلِّلةٌ انتهازيّةٌ متنفِّعةٌ رخيصةٌ، تؤلّف الأخبار وتلفّق، مع أنّنا في عصر "التحقّق من المعلومات".
إذن … انتظرتُ لأرى من سيدفع أكثر، إلا أنَّ أحداً لم يكلّمني أو يدفع لي، فطرحتُ فكرة المقال على محرّر "الحدود"، لكنه لم يردّ عليّ حتى الآن، ولم يدفع لي شيئاً، لا أعلم لماذا.
مع ذلك، كتبتُ المقال، انتصاراً لمهنيّتي أولاً، ولأنّ الحقيقة يجب أن تُقال ولو بالمجّان. بالمجان، نعم، كتبته دون مقابل، ويمكن لأيّ قارئ/ـة محترم/ـة أعجبه/ـها ما كتبت أن يـ/تتبرّع بدولار لصندوق الحدود، وهم بدورهم يحولوّن لي أيّ مبلغ يريدون، هم وذوقهم.
هنا، أودّ توضيح أنّني أخدم شبكة الحدود خدمة العمر، إذ خصّصتُ مقطعاً لنصرة "إم تي في" وفضح "درج" و "ميغافون" ومن هم على شاكلتهم، لعلّ الصحناوي يقرأه فيتبرّع لها أو يشتري أسهماً فيها، ومقطعاً للدفاع عن جماعة الإعلام المستقل وفضح "إم تي في" والصحناوي، لعلهم يشكّلون لجنة تدفع للحدود بعض سبائك الذهب ورُزَم الدولارات وأحجار الألماس والياقوت التي يكدّسونها في خزائنهم، مع الإشارة إلى إمكانيّة شطب أحد هذين المقطعين لصالح من يدفع أكثر، أو من يدفع.
*****
المقطع القابل للشطب إن دفع الصحناوي
بدأ اقتصاد لبنان رحلة التدهور عام ٢٠١١. حين سجّل ميزان المدفوعات عجزاً أشار إلى أن حجم الدولارات ورؤوس الأموال المغادرة فاق تلك التي دخلت البلاد. غير أن "إم تي في" عثرت على وثائق تثبت أن المنصّات التي تأسّست بعد عام ٢٠١٨ هي المسؤولة عن ذلك العجز الذي وقع قبلها بسبع سنوات. إذ تبيّن أن كلّاً من حازم الأمين، وعلياء إبراهيم، وديانا مقلّد، وجان قصير، وديانا منعم، كانوا يعملون في وظائف لقاء المال، ويحوّشون رواتبهم في بنوك سويسرا بهدف تعطيل الاقتصاد الوطني. استثمروها لاحقاً للتسجيل في "الأميركان سنتر"، وصاروا يتحدّثون الإنجليزية بطلاقة، وتواصلوا مع سوروس ليدعم إنشاء منصّات تؤسس للانهيار الاقتصادي الشامل.
أمّا قصّة أنّ القطاع المصرفي فضح شُحّ السيولة بالعملة الأجنبية داخل المصارف حين لجأ إلى "الهندسات المالية" لاستقطاب المزيد من الدولارات، فهذا تحليل يروّجه اقتصاديو اليسار الغوغائيّون، وهؤلاء بالكاد يعرفون استعمال الآلة الحاسبة. "درج" و "ميغافون" و "كلنا إرادة" غوغائيّون بطبعهم. أنا بعيني شاهدتُ حازم الأمين جالساً يتغوغأ مع ألبير كوستانيان على يسار الطاولة في أحد المقاهي.
إنّ الكلام عن تصدير الدولة اللبنانية ديونها داخلياً فقط منذ عام ٢٠١٧، وجعل المصارف المحلية الجهة الوحيدة المكتتبة لهذه الإصدارات لأنّ الأسواق العالمية امتنعت عن إقراض لبنان. هو حقّ يراد به باطل. فقد هندس رياض سلامة هذه العملية، ليمنع الأجانب من دخول مصارفنا ويحفظ حرمة الليرة. لكنّ المودعين -سامحهم الله- أغبياء، ثرثروا واغتابوا اقتصاديّيهم حتى تسبّبوا بانعدام الثقة الدولية، وبدأت الأزمة بالتفاقم.
وبعد تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩، أقفلت المصارف أبوابها ليرتاح موظفوها من عناء عامٍ كامل من عدِّ الدولارات ورصّها في الخزائن، وبدأت أعمال الصيانة وتجديد الديكور. لكن المودعين الأغبياء -ما غيرهم- هاجوا وماجوا، فركبت "درج" و "ميغافون" و "كلنا إرادة" و "المفكرة القانونية" الموجة، وغذَّت غضبهم بالنميمة الممنهجة ضدّ المصرفيين، حتى تسبّبوا بخروج الناس ثورة أسقطت الليرة وفاقمت الأزمة المتفاقمة.
*****
النص القابل للشطب إن دفعت "درج" و "ميغافون"
بدأ الاقتصاد اللبناني مسيرة التدهور منذ عام ٢٠١١، حين سجّل ميزان المدفوعات عجزاً كشف أنّ الدولارات الخارجة من البلاد أكثر من تلك الداخلة إليها. لكنّ "إم تي في" أصرّت على أنّ التدهور بدأ مع منصّات تأسّست بعد عام ٢٠١٨، ودليلها على ذلك قاطعٌ لا يُرَدّ؛ دليلها قلبها، ودولارات الصحناوي، الأصدق إنباءً من التقارير الدولية والتحقيقات الاستقصائية والوثائق.
إنّ لجوء القطاع المصرفي إلى "الهندسات المالية" لاستقطاب المزيد من الدولارات، فضح شُحّ السيولة بالعملة الأجنبية داخل المصارف، وهذه حقيقة ثابتة لا يمكن تغييرها، حتى لو حلف القمر جو معلوف يميناً بشرفه المهني وقال إنه شاهد جان قصير في بدارو جالساً في قهوة رأسمالية يعد حفنة دولارات ممهورة بصورة سوروس.
أمّا حصر الدولة اللبنانية تصدير ديونها إلى الداخل منذ عام ٢٠١٧، وجعل المصارف المحلية الجهة الوحيدة المكتتبة لهذه الإصدارات، وامتناع الأسواق العالمية عن إقراض لبنان، فيُثبت أن حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة المسجون حالياً، لم يعرف الهندسة بحياته، فكيف هو الحال بمصرفيٍّ متواضع مثل الصحناوي؟
ولا داعي للتذكير بكيفية انتقال الدولار عام ٢٠١٩ من سعر صرفٍ موحّد إلى سعرَين ثلاثة، وكيف أقفلت المصارف أبوابها في وجه المودعين، وكيف سَلبطت حساباتهم ومدخراتهم. واليوم، نشهد الصحناوي يتّهم "درج" و "ميغافون" و "كلنا إرادة" بكلّ هذا، ويرُشّ الأموال على زبانيته لمهاجمتهم. أهي أموال المودعين التي تنفقها على هذه الحملة يا أنطون؟
*****
إلى هنا أنهي مرافعتَين، مرافعة لكلّ خصم، فإن لم يدفع أيّ منهما، نُبقِ المقال على حاله، فنكون راعينا الحياد، ووقفنا على مسافةٍ واحدة من جميع الأطراف.
أنت من جمهور "إم تي في" واليمين المتطرف؟ تفضّل، اقرأ المقطع الذي يناسبك. أنت من جمهور المنظمات غير الحكومية والحريات و"الصحافة ليست جريمة"؟ اقرأ المقطع المخصّص لك. لا أنا زعلان ولا هم يحزنون. ما يهم بعد القراءة هو وضع لايك وشير، والتبرّع طبعاً: بدولار أو خمسة أو عشرة دولارات، أو عشرين. ولكن، حتى على حسبة دولار واحد ... لنفترض أن مليوناً أو مليونَي شخص قرأوا المقال، وتبرّع كلّ قارئ/ة بدولار، أليست مليوني دولار جميلة؟ جميلة ونصف.
في النهاية، لا أنسى أن أشكركم على تفهُّمكم ودعمكم للأقلام الحرّة في المنطقة. جمهوري حبيبي … قرّائي وفانزاتي.