تغطية إخبارية، رأي

استمرار العنف طبيعي...فلماذا التطرف في رفضه؟

Loading...
صورة استمرار العنف طبيعي...فلماذا التطرف في رفضه؟

لا أكتب هذه المقالة تبريراً ولا دفاعاً، فالجميع أخطأ ويخطئ. لكنني آمل أن تكون هذه الكلمات انطلاقةً لنبذ التطرف في رفض الانتهاكات، إن ثبتت صحتها طبعاً وأنا هنا لا أؤكد ولا أنفي ذلك وأتحفظ على هذه النقطة بالكامل إلى أن يُسمَع صوت مطرقة عدالة اللجنة المستقلة بالمطلق. 

عندما كثر الحديث عن الانتهاكات، المفترضة حتى هذه اللحظة طالما اللجنة مستمرة بتقصّيها الحقائق والتمديد، بدرجة تمنعني من إغفالها تناسيتم جميعاً إلى أن العنف طبيعة بشرية، فأجدادنا نحتوا الصخر لصناعة السكاكين قبل تعلّم إشعال النار. لن تجدوا دولة واحدة بلا جرائم عنيفة تقشعر لها الأبدان، والجميع يخطئ، وفي السياق السوري يصبح طبيعياً جداً، مع تأكيدي أن نصرنا نصر لا ثأر به. فإن جرى ما جرى فعلاً -وها نحن نقفز إلى الافتراض مجدداً- آمل ألا يدفعكم إيمانكم المتطرف بسمو ثمن حياة البشر لتتسرعوا بإلقاء الاتهامات على  جهات بعينها دوناً عن أخرى، والجميع يخطئ، مستغلين نواياها المعلنة بتأجيل مسار العدالة لما فيه من بطء وملل لا يناسب التجربة السنغافورية العصرية التي تتطلب السرعة والإنجاز.

أفهمكم حين تلمحون إلى تورط قواتنا الباسلة. فلنفترض، ضمن الافتراض الأول بوقوع الانتهاكات حقاً، أن قواتنا الباسلة متورطة. أتعتقدون أن أبطالنا سيقدموا على شيءٍ كهذا دون سبب وجيه؟ عاينوا المسائل من كل الزوايا باعتدال ودعكم من أخذ ما يقوله أبطالنا أو يفعلوه ويوثقوه بالصوت والصورة على محمل الجد، بسبب نزعاتٍ أفّاقة تفترض أن هراوة العدالة المرتجلة ستطيح بأضرار جانبية هنا وهناك، إن كان هذا ما جرى فعلاً. 

أذكر عندما تواردت الأخبار المفترضة وغير المؤكدة عن المجازر صبيحة يوم العيد، أذكر تعاطفي مع مصابكم الذي لا نعرف حقيقة وقوعه وتغيير صورتي الشخصية لتتشح بالسواد، رغم تجهيزي لصورة ما بعد حلاقة العيد، التي سأكتفي بالقول ودون تكلف بالتواضع إنها كانت لتذهلكم وحين عدت إليها كان العيد قد انقضى. لماذا فعلت ذلك؟ لأني معكم فلماذا لا تتطرقون إلى الإيجابيات وتكتفون بالسلبيات والنقد الجارح؟ أعتقد أن تطرفكم في إدانة العنف يجيب عن تساؤلي. سيقول بعضكم إنهم طالما أدانوا العنف طوال الأعوام الأربعة عشرة الماضية، وهو أمر مؤسف لأني كنت على وشك استغلال هذه النقطة لأثبت أن العنف سنّة من سنن الكون إنما انزعاجكم هو الانتقائي. لكن لا بأس، ها قد استدرجتكم وأعتقد أن رفضكم للعنف طوال الأعوام الماضية كلها دون تغير أو تبدلٍ اليوم يوضح حجم التصلّب في مواقفكم، رغم دعوات السيد الرئيس لنا لاستبدال العقليات والمراحل. 

لا أقول والعياذ بالله إن كل العنف طبيعي، لأني أرفض مجابهة التطرف بالتطرف، بل أقول باعتدال إنه مطلوب وطبيعي إلى أن يبلغ الحد الذي نبقى عنده قادرين على طمأنة المانحين والأجانب. هل تريدون بعد كل هذا الاستعراض أن تدينوا العنف؟ لا بأس، فلتدينوه بوسطية ودون تطرف وبشكلٍ بنّاء، مثلي. صدقوا نصف ما يقال وأدينوا نصف هذا النصف، وإن شئتم، فلتحاكموا نصف من ارتكبوا نصف العنف المدان الذي صدقتم نصفه، ولتجعلوهم يتذوقون طعم نصف العدالة، شريطة أن يكونوا من النصف الأسفل من هرم السلطة. لا تبنى الأوطان بالتطرف، بل بالحوار في مسيرة طويلة؛ كفٌ بكف، جندٌ وشعب، مشككون ومصدقون، مجلودون وجلادون.

شعورك تجاه المقال؟