من يقف في الطابور الخامس إذا كان الجميع على طوابير الخبز والمواصلات؟
مايكل أبو العاص - كاتب ملتزم بالوقوف على الطوابير الوطنية
١٠ أبريل، ٢٠٢٥

كل يوم، حين أستيقظ، أجرّ خطواتي الثقيلة إلى أقرب طابور لأقف فيه شامخاً معتزاً ممتناً أنني لم أولد فردة حذاء أو حشرة أو لعائلة ليست على الدين الصحيح. قد يكون طابوراً للخبز، طابوراً للباص، طابوراً لمعاملة حكومية، طابوراً للسؤال عن طابورٍ آخر، لا يهم. أحياناً يكون الطابور وهمياً تماماً، لكننا نقف فيه احتراماً للتقاليد الوطنية والتماسك والتعاضض لعدم الانجرار خلف الشائعات والمصطادين في الماء العكر.
لكن أحياناً، في الطابور، أثناء تفقدي لجيبي الخلفي إذا ما زال يحتوي على محفظتي، يخطر لي سؤال عن وضع من يقفون في الطابور الخامس؛ من هم؟ ما هي معاملتهم؟ كيف تكون ظروف وقفتهم وكم مدتها؟ أين هو هذا الطابور؟ هل يمكن أن يكون هذا الذي أقف فيه؟ لا لا لا، مستحيل، هذا طابور الحافلة؛ ثم إن الطابور الخامس يقف فيه خونة وعملاء، أي أنهم قبضوا ثمن الوطن، يعني معهم أموال وليسوا بحاجة للمواصلات. لكن هل يمكن أن يكونوا متنكّرين لزعزعة الحافلة عن مسارها؟
أحد الأصدقاء قال لي مرة إنّ الطابور الخامس ليس طابوراً أصلاً... بل غرفة مكيفة فيها كراسٍ جلدية، وكابتشينو، ومادة البيستاشيو، وأشخاصٌ يرتدون ملابس مهندمة ويأكلون وجبات سوبر أو دبل -لا أذكر تماماً- في انتظار تلقّي أوامر خارجية لقلب نظام الحكم، وسلبنا حريتنا وكرامتنا وثرواتنا وحقنا في البقاء على قيد الطابور. روحي معلّقة بكيس عدس من تراب الوطن والله.
ثم إننا، نحن هنا في الطابور، لا يبدو على أشكالنا أننا نعرف شيئاً عن الحريّة والكرامة والثروات، أو أين يقع المكان الآمن الذي تخبئها فيها الدولة عن أعين المتربّصين، ولو كنا نعرف، لما وقفنا على الطابور؛ ثم هل الدولة حمقاء إلى درجة أن تأتمن أحدنا على هكذا أمور حسّاسة وتهدد الأمن القومي؟ لا يجب أن أسأل أكثر، أعذروني، وصلت الحافلة وعليّ تسلّق النافذة.
لكن سؤال أخير؛ إذا كنا جميعنا موزّعين على طوابير مادية موثّقة كهذا، فهل يمكن أن يكون من يقف في الطابور الخامس هو من لا نراه على هذه الطوابير؟ أنا أسأل فقط… وغالب الظن أنني مخطئ، ولم يسبق لي أن كنتُ على صواب، حتى إنّ أمي تقول لي دائماً، "لو كنتَ ذا قيمة لأصبحتَ مسؤولاً مثل ابن خالتك".