بطل التحرير
حازم كفى، حازم كفى
٠٩ أبريل، ٢٠٢٥

حازم كفى
بعد أن نشرت مقال رأي بحت بعنوان "لزوم ما لا يلزم"، فوجئتُ بسلسلة من الإشكالات داخل هيئة تحرير "الحدود". بدا أن الموضوع أكبر من مقال، إذ تطلب مني الأمر استعمال حق الرد، وقدمت هذا المقال دفاعاً عن موقفي، خصوصاً فيما يتعلق بآليات التحرير وتعسّف المحرر النرجسي الذي يرى في سيبويه تلميذاً له.
هذا المحرر قرّر بلا سابق إنذار تقليص عدد كلمات المقال، كلماتي أنا، وسَخَط الأجر المتّفق عليه من مئة وخمسين دولاراً إلى سبعين فقط، بحجة التحرير. عملت على المقال مطوّلاً، وتجاوزت عدد الكلمات المطلوب لأكسب أجراً أعلى. كنت أتطلّع إلى الحصول على الأجر وفوقه حبّة مسك، لكن الحدود "طعمتني الضرب" والله والله، لو أن جريدة الديار دفعت دولاراً واحداً زيادة، لنشرته فيها مطمئناً لاحترامها جهود كتّابها ودفعها واحداً وسبعين دولاراً على الأقل.
المعضلة الأساسية كانت في عقلية هذا المحرر المُعَفّن، الذي استبدل الحذف بالمقص، والتقييم بالتحكُّم، ليخرج المقال مختصراً وناقصاً، ومعه دولاراتي أيضاً. وهنا أستذكر تجربتي الطويلة في المؤسسات الإعلامية العربية، حيث اكتشفت أن هناك قاسماً مشتركاً بين معظمها، رغم اختلاف التمويل والسياسات التحريرية والمواقف السياسية:
جميعها تلتقي عند نفسية المحرر ….
ذاك الذي يلهو بالحركات، ويقرّر دون إذن أين توضع التنوين، ومتى نستخدم فاصلة أو نقطة، وما إذا كانت "سوريا" تُكتب بتاء مربوطة أو بألف. هو ذاته من يتدخل في توصيف "حزب الله": لبنانيٌّ أم إرهابي؟ أو يمنع ذِكر الإمارات لأنها جهة مانحة، أو يعتم اسم "عزمي بشارة" بحجة عدم خلق مشاكل مع قطر، ويفضّل تجنّب الحديث عن الحريات في السعودية احتراماً للراية الإسلامية التي يرفعها محمد بن سلمان في مسلسل "معاوية".
قد تُعتبر هذه السطور إدانةً صريحة، وقد يطير بها أحدهم إلى مؤسسة "سمير قصير" ليطالب بجائزة حرية الصحافة. لكنني لا أتوقع الفوز، لا بجائزة سمير قصير، ولا بجائزة الصحافة العربية (التي تموّلها الإمارات). ربما، في أحسن الأحوال، تُنشر على فيسبوك، ولا تحصد أكثر من لايكٍ لايكين.
نعود إلى نفسية المحرر، ذاك الذي يُصرّ على إبداء ملاحظات لإثبات وجوده داخل الدوام؛ لا لأنه يتقن العربية أكثر من الكاتب، بل لأنه يهوى التعديلات الشكلية، متناسياً أن هناك مدققاً لغوياً سيأتي لاحقاً لتصحيح الشدّات والسكون ومنع التقاء الساكنين. هذا المحرر يتدخل في السياسة، الفن، الاقتصاد، الرياضة، يكتب عن فستان نانسي عجرم، ثم ينتقل إلى اجتماع ترامب مع زيلينسكي، لأنه أحمد سقّا الصحافة، لا ينام، لا يتعطّل، لا يموت. يظنّ أن الكاتب لا يعرف شيئاً، فيُعيد كتابة المادة، ويبيعنا أنه كاتب ظل، وهو مجرّد ظلّ كاتب.
ملاحظة المحرر: حازم. إن كنت رجلاً انتظرني خارج المكتب بعد الدوام لأريك أين سأضع الحركات.
