تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

لماذا لم تتوقف الحرب على غزة رغم أنني لم آكل ماكدونالدز منذ سنة ونصف؟

آدم مؤزَّر - العامل المُخلص

Loading...
صورة لماذا لم تتوقف الحرب على غزة رغم أنني لم آكل ماكدونالدز منذ سنة ونصف؟

القراء الأعزاء، وردتنا رسالة من السيد ئ.ة. المحترم، يستفسر فيها عن موضوع يؤرقه منذ انهيار الهدنة من طرف واحد.

تالياً نص الرسالة …

الأعزاء في الحدود، أنا شاب، أبلغ الثامنة والأربعين من العمر، حازم في قراراتي، ومواقفي راسخة لا تتزعزع. منذ الثامن من أكتوبر قطعت علاقتي بماكدونالدز بشكل نهائي، لا بيج تيستي ولا ماك تشيكن ولا سيجنتشر كوليكشن ولا أي ماك حتى لو كان رويال، ولا هابي ميل حتى لو وصل عواء حمودة الصغير إلى قبرص. وطبعا لا بطاطا ولا آبل باي ولا آيس كريم صنداي. توقفت عن تناول المارس ولاتويكس والكيت كات والنوتيلا، وشيبسَي ليز وبرينجلز، وتوقفت كذلك عن معاقرة النسكافيه والكوكا كولا والبيبسي كولا. بالمختصر: ألغيت ملذات الحياة التي يمكنني توفيرها بدخلي المحدود من حياتي المحدودة. 

هذا كله ولم أذكر بالتفصيل كيف نظرتُ بقرفٍ إلى من رأيتهم يدخلون هذا المطعم المُغرض أو يقفون في الدكاكين أمام هذه المنتجات، وكيف مسحت بهم أرض الرصيف أحياناً حين ضبطتهم يقترفون الجُرم المشهود، وكيف ألغيتُ ابنَ عمي التافه من حياتي حين شاهدته يحمل كأس ستاربكس، وكم مرّةً أدرجتُ على فيسبوك منشوراتٍ ناريّة تؤكد أن دم أطفال غزة في رقبة من يأكلون هذه المأكولات. مع ذلك، لم يتغير مجرى التاريخ؛ بل على العكس، صار يجري فوقنا كأننا جهاز تريدميل، ولا تزال الطائرات الإسرائيلية تُحلّق فوق غزة تقصف وترتكب المجازر. لماذا؟ أرجو مساعدتي لأعرف ما الذي يجب فعله أو ما الذي يجب أتوقف عن أكله لتتوقف الحرب. 

المخلص لكم

ئ.ة.

العزيز ئ.ة. المُقاطع …

نثمن عالياً جهودك في تجنّب البيج ماك. نحن مثلك نعاني معاناتك، ونقدّر التلبّك المعوي والروحي الذي تعيشه نظراً لاضطرارك استهلاك منتجات توحي بأن أحداً تناولها قبلك. خصوصاً أن الأمر حدث فجأة، وليس تدريجياً كما هو الحال مع الريجيم الذي تتدرّب عليه منذ عقد تقريباً. لكن من الضروري معرفة أن ما نفعله لن يوقف الطائرات الإسرائيلية أو يقنعها بالعودة لقواعدها. وبالتأكيد لن يُقنع ترامب -الذي يريد أن يرفع سعر السلع التي تقاطعها- أن يوقف التسليح، ولن يدفع الأمريكان للإطاحة به، ولن يُقنع نتنياهو أن يحلّ عن صدورنا، ولن يهدم الرأسمالية. إذاً، ما العمل؟

يمكننا أن نجلس ونضع ساقاً على ساق، ونخبرك أن عليك مقاطعة ما هو أكثر من الأكل، وبإمكانك مقاطعة الصمت، وهيّا شارك، هيّا احكِ، هيا اربك العالم بصورة أشلاء، بمأساة طفل، أخبره أنك وِل نيفير فورجيت ووِل نيفير ستوب شيرينج. ويمكننا التنظير أيضاً بدعوتك أن تكفّ عن التجوّل في المولات والسوبرماركتات لتفحّص المنتجات  والمستهلكين كما لو كنتَ المحقق كونان، وأن تنخرط مع الجموع في مبادرات وحملات تحشر حكومتك في الزاوية وتدفعها أن تستحي على شرفها وتوقف التطبيع، وأن تتبرّع بنصف راتبك الهزيل، ونصفه الآخر أيضاً، وأن تتعلّم وتعلّم ابنك وابن اختك عن فلسطين، وأنها أكثر من خريطة على الحائط، وأنها بيوت ومزارع وبيارات ولهجات وتطريز وذكريات وفرح وحزن وحزن وحزن وموسيقى. 

ولكننا نعلم أنك تعلم كل هذا، ولعلّك فعلت كل ذلك وزيادة، ولم تتوقف الحرب أيضاً …فما العمل؟

قبل فترة، سألنا الذكاء الاصطناعي: ما الذي يمكن أن يفعله الفلسطينيون لاستعادة أرضهم، فأخذ الذكاء الاصطناعي يفكر ثماني ثوانٍ ثم اعتذر لعدم قدرته على المساعدة، فطلبنا منه المحاولة مجدداً، فاستغرق تسع ثوانٍ قبل أن يعتذر مجدداً عن المساعدة؛ وحين سألناه عن السبب، أخبرنا بعد تسع ثوانٍ من النبش في سيرفرات أوبن إيه آي وأرشيف الإنترنت والتاريخ المدوّن في مقرات النرويج وكاليفورنيا أن تقديم نصائح أو تعليمات حول إجراءات قد تساهم في العنف السياسي أو الصراع أو أي نتائج مؤذية يخالف إرشاداته. ويجب أن تلتزم ردوده بسياسات تمنع تسهيل أو الترويج لأي تصرفات تؤدي لأذى.

آه والله أخبرَنا بذلك، وإليك الدليل إن لم تصدق:

أرأيت؟ حتى الذكاء الاصطناعي يعرف الإجابة الصحيحة، لكنه يرفض ذكرها. فهو ذكاء أجنبي بكل حال. وأنت تعرف الإجابة أيضاً، لكنها لا تتضمّن أن تهب لتحرير فلسطين حاملاً سكين المطبخ أو شبرية جدِّ جدِّك أو البلطة التي لا تعرف سبب وجودها في منزلك. ولا تتضمن الاستمرار بالحديث عن مقاطعة مكدونالدز وكوكا كولا. لندع البديهيات جانباً. هل ننتقل للحديث عن صنع سلاح يرد الأذى؟ هذا يحتاج دولاً تتصرف كدول، وحكومات تنفِّذ ربع ما تؤكده في لقاءاتها عن التاريخ والدين واللغة والجغرافيا والأحياء والكيمياء والفيزياء كعوامل مشتركة توحّد الشعوب الشقيقة.

أما نحن العوام، نحن الأفراد، نحن الرعايا، فلدينا الكثير لنتعلمه … 

أمامنا درب طويل لنقطعه حتى نصبح شعوباً …

لدينا الكثير من العمل قبل أن نبدأ العمل.

لدينا الكثير من العمل قبل أن نوقف الحرب.

العامل المُخلص

آدم مؤزَّر

شعورك تجاه المقال؟