تغطية إخبارية، رأي

الكينونة والزعامة: أيها الفوهرر الشرع.. لا تكرّر ذات الخطأ في الساحل

Loading...
صورة الكينونة والزعامة: أيها الفوهرر الشرع.. لا تكرّر ذات الخطأ في الساحل

مارتن هايدغر يكتب:

الإنسان لا يمكن أن يوجد في الوجود "دازاين" بينما يعيش حياته بين تقليب الريلز وإعادة إرسال الميمز، والحديث في السياسة والمطالبة بالديمقراطية؛ لأنه سيكون عندها مجرد نكتة سياسية، سرعان ما يفتكّ منها وينتمي إلى الوجود الأصيل، كما يحدث معه منتصف الشهر، عندما يتذكّر حسابه البنكي ومسؤولياته، مدركاً أنه لا يستطيع دفع الإيجار بالثرثرة.

غير أن هذا الوجود الأصيل مُهدَّد دوماً بالسقوط مع القطيع، ما لم يستمع الإنسان إلى صوت أحدهم يقول: "أنا المحرّر، أنا من سيقرّر"، فيحظى بفرصة تاريخية للانضواء تحت زعامة القائد "حارس الكينونة"، ويكون سهماً في كنانته كما موسى العمر وجميل حسن، اللذين عرفا أن الزعامة ليست تحكماً، بل استجابة لصوت داخلي يسمعه القائد عندما يستيقظ ليلاً، فيقرّر البقاء في الحكم، لا لأنّ الشعب غير جاهز للديمقراطية، بل لأنها لا تناسبه أصلاً.

حين أسقطت الإرادة القوية النظام السوري، لم يكن ذلك تغييراً سياسياً، بل لحظة وجودية لا تُفهم بمنطق الديمقراطية الليبرالية التي تفترض أن لكل شخصٍ صوتاً. في الحقيقة، بعض الأصوات يجب أن تبقى مخروسة، خاصةً عندما يطالب صاحبها بإصلاحاتٍ اقتصادية مع أنه لم يطلب ساعة كهرباء واحدة إضافية طوال ١٤ عاماً.

في المقابل، الزعامة ليست المشي في المقدّمة، بل القدرة على المشي وحيداً؛ ليس عناداً، بل تعهّداً جوهرياً بانتقاء الأخيار من الأكثريّة، لصنع الطاعة الأصيلة عند القادرين على ممارسة الشجاعة، وبناء جسر الأمّة نحو العظمة، بعيداً عن المنحطّين على اختلاف أقليّاتهم. وما الجدل حول المجازر في الساحل إلّا مثالٌ على تفوّق "الثرثرة اليوميّة" على "الفعل التاريخي"، لأنّ المصير السياسي لا يُقرأ من تقارير المنظمات ورامي عبد الرحمن.

في التجربة القومية الألمانية التي نظّرتُ لها ثمّ انشغلتُ بتقليم أشجار الغابة السوداء عندما طُبّقت على الواقع، لم يكن الإخفاق في القيادة، بل في تحوّلها إلى مشروع أوسع من اللازم. لم يكن الخطأ في استبعاد العناصر غير المنتمية، بل في عدم فعل ذلك بطريقة أكثر أناقة من الإبادة الجماعية؛ وهو خطأ يتكرّر في الساحل، أيها الفوهرر.

فالقيادة -التي لم تكن خياراً بل عبئاً يتحمّله من استدعاه القدر إلى الصفوف الأمامية- لا تُلغي الآخر، وإنما تُعيد توجيهه أو صهره داخل الجماعة ليخدم الانتماء. ولا يكون القائد قائداً ما لم يكن هو نفسه مُنقاداً لقوّة روحيّة تفرض نفسها عليه، ولا تُعفيه، ولا تجعله مرتاحاً لخمس سنوات على الأقل؛ وهو ما أنتظره من القائد الشرع في الحالة السورية.

شعورك تجاه المقال؟