رسالة اعتزال عمل عام واعتراف بفشل التجربة
مايكل أبو العاص - ساعي بريد الحدود
١٨ مارس، ٢٠٢٥

ظننت أن الأمر سيكون أبسط من ذلك عندما أنهيت التحضيرات في أقل من أسبوع. لم أطلب الكثير، لم أشترط المستحيل. وضعت قوانينَ وتركت هامشاً للخطأ، منحتُ حرية الاختيار – أعترف أيضاً بأنها كانت فكرة سيئة – لكنني بالغت في تقدير قدرات الإنسان العقلية، أو ربما كنت ساذجاً بما يكفي لأظن أن البديهيات لا تحتاج إلى لائحة إرشادات.
لا جدوى من التبرير، ولا معنى لكل هذه المحاولات اليائسة لترقيع الكارثة بشريطٍ لاصق من الأمل بحياةٍ أخرى أفضل. وعليه، أعلن رسمياً اعتزالي العمل العام. هذه كانت فكرتي، لكنها خرجت عن السيطرة، ولا يصحّ لمن طالب بالعدل مليارات السنين أن يَظلِم أكثر. من الشجاعة الاعتراف بالفشل، فوقف الخسارة مربح كما تقولون. لذا، وكأي مشروع فاشل، أعلن رسمياً ترك هذا الكار.
هذا قراري النهائي المدروس، بل إنّ التفكير فيه استغرق نحو ألفي عام مما تعدون. جرّبت خلالها الأوبئة فتحوّلت إلى استثمارات، جربت الابتلاء بالمآسي فأصبحت فرصة لارتكاب المزيد منها وفتح استوديو تحليلي في الجزيرة. قلت لنفسي: راهن على الضمير ليكون رادعاً طبيعياً، على الأخلاق لتكون حصناً للإنسانية، على الترغيب، على الترهيب، على أونا، على دوّي، على تريه، يا بنو آدم، أليس فيكم عاقل يوقف كل هذا الخراب؟
وعليه، أؤكد انسحابي من هذه المهزلة الكونية. لن أقدّم مزيداً من التفسيرات، لن أرسل مزيداً من الإشارات، ولن أضع دماء الملايين منكم في رقبتي. من الآن فصاعداً، احرقوا ما تبقى، أو حاولوا إصلاحه، لن أكون هنا لأرى النتيجة. ما كان يمكن إنجازه، أُنجِز. وما لم يُنجز، فلن يُنجز أبداً. هذه كانت تجربتي، وقد فشلت. سامحونا.