تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

كيف تتحدث عن الدستور والعدالة الانتقالية والمجازر بينما الناس بالكاد تجد ما تأكله؟ أنت تبرر ولن أجيبك لأنني لست الحكومة يا بخش القلب

رشدي عبير المرج - قاضي أولاد متقاعد لم يشنق نفسه

Loading...
صورة كيف تتحدث عن الدستور والعدالة الانتقالية والمجازر بينما الناس بالكاد تجد ما تأكله؟ أنت تبرر ولن أجيبك لأنني لست الحكومة يا بخش القلب

تصلني العديد من الرسائل الاستنكارية بصفتي مراسلاً للحدود سوّلت له نفسه في هذه اللحظة العنق زجاجية من عمر بلدنا الحبيب سوريا أن يعبّر ويطرح ما يجول بخاطره من أسئلة وشكوك ومخاوف، ويدور مضمون هذه الرسائل حول الفلك ذاته "كيف تجرؤ يا عديم الإحساس على الحديث عن رؤى تحدد شكل البلاد أو العدالة الانتقالية أو المجازر أو المناهج وما يتخللها من أخطاء فردية هنا وهناك وهناك وهناك وهناك بينما لا تجد الناس ما تأكله، أو بينما تتوغل إسرائيل داخل الحدود السورية، وغيرها من القضايا الساخنة والحساسة التي لا بد أن يتسبب تعبيرك بحرية عنها بإثارة القلاقل وتأخير حلّها".

ولأن الأسئلة التي لا تُطرَح تزلّفاً تحتاج إلى إجابات، ارتأيت ألا أجيبك عليها لأنك تتزلف بالفعل يا بخش القلب، ولأني لست من يجب أن تسأله بالدرجة الأولى، وإليك الدليل:

أولاً. أنا لست الحكومة

على عكس ما تتوقع، لست أنا الحكومة ولا أشغلُ حالياً أي منصب حكومي أو شبه حكومي، ولا أعمل بالقطاع الخاص أو المشترك أو غير الربحي، وبالكاد أعمل لدى الحدود. ورغم أن العمل مع مؤسسة عريقة مثل شبكة الحدود بقيادة جلالة الملك أبو صطيف بكر علي أحمد اللوز يجرّ معه ما يجرّه من امتيازات معنوية هائلة، إلا أنها لا تكفي لتحمل مسؤولية دولة بأكملها، فما بالك دولة لا أحكمها ولا تُرفع فيها لافتات جلالة رشدي المرج المعظّم؟ تنفّس ببطء وفكّر وسل نفسك، لماذا أزعج رشدي العبد الفقير لله كلّما حاول أن يعبر عن رأيه؟ هل سيستجيب لي ويصبح فجأة قادرًا على تحسين المستوى المعيشي عندما أزعجه للمرة العاشرة أو العشرين؟ بالطبع لا، والله العظيم أنك تعلم ذلك، ومع ذلك تسأل وتبرّر. 

ثانياً. الحكومة ليست أنا

ألم تتمنَّ طوال حياتك وجود جهةٍ تستطيع مساءلتها ومحاسبتها عند شعورك بضرورة ذلك؟ بعد رحلة طويلة استمرت أربعة عشر عاماً، أستطيع أن أؤكد لك شيئين: الأول، الحكومة هي الحكومة. أرأيت؟ أمنيتك محققة، لديك اليوم جهة في سوريا تستطيع سؤالها عن الوضع الاقتصادي والأمن القومي والعدالة الانتقالية والمحاسبة وكل ما لم تستطع مساءلة النظام السابق عنه؛ أما الشيء الثاني، فهو أنك طبعاً لن تفعل أيّاً من ذلك، وستستغل كل قضية يجب التوجه بها إلى السلطة الحالية لتحاول إخراسي، وعلي هنا تحذيرك: بعد عملي الطويل كمراسل، أنا لا أخشى قول الحقيقة ولا يمكن تهديدي أو ابتزازي أو إسكاتي أو شرائي إلا بالسعر المناسب، ولأنك موافق على  سياسة الحكومة وإجراءاتها الاقتصادية دون أي اعتراض وحتى دون مقابل، أشك في قدرتك على تأمين هذا السعر. 

ثالثاً. عندما سأصبح الحكومة تأكد أني سأخبرك بذلك

إذا قُدِّر للسيسي أن يجلس في مقعد السائق ويجرّ بلداً مترامي الأطراف نحو الهاوية، فما الذي يمنعني أن أجرب حظّي بقيادة الحكومة؟ إذا أبصرت سوريا في المستقبل دستوراً، وقانون أحزاب، وقانون انتخابات، وانتخابات حقيقية ونزيهة، وحدث أن كنت أحد مرشحيها وفزت، عندها سأحرص على استضافتك في القصر الرئاسي وإطلاعك شخصياً على نتائج هذه الانتخابات وعلى موقعي الجديد، حيث ستتمكن من مساءلتي ومحاسبتي كما يحلو لك، وربما أستطيع عندها إجابتك على كل تساؤلاتك. لكن بالله عليك، هل ستُسائلني حقاً حينها؟ لا والله لن تفعلها، وغالب الظن أنك ستخترع شعارات تمجّدني وتضخّم ذاتي، بينما تتستر على أخطائي وتطلب من منتقديَّ الكلاب الكفّ عن مهاجمتي وتصحيح وجهة نظرهم، كما تفعل الآن بالضبط. ولذلك، وإلى أن أصبح قائداً خالداً وأقرر ما سأفعله بك، لن أجيب على تساؤلاتك وسأدعوك بتهذيب "بُخْش القلب".

شعورك تجاه المقال؟