لايف ستايل، تقرير

سيوران يكتب: الأملُ خرافةٌ مثلَ العرقسوس اللّذيذ

- - -

Loading...
صورة سيوران يكتب: الأملُ خرافةٌ مثلَ العرقسوس اللّذيذ

الأمل هو أكثر الافتراضات الكاذبة وقاحةً في هذا العالم. يقولون إن الإنسان يحيا لأنه متشبّث بالأمل، لكنه في الحقيقة يحيا على أمل أن يحظى بتأجيلٍ أنيقٍ للمأساة القادمة. يحتاج الأمل إلى قدرةٍ خارقةٍ على الانسياق خلف أوهام القطيع، كما يحتاج العرقسوس إلى إرادةٍ صلبةٍ لتحّمل دبق حلاوته التي تدوم أسابيعاً في الفم مهيّجةً الحلق والقولون.

الأمل طوق نجاةٍ من قَش، تشبّثَ به بحّارةُ البؤس قروناً وهم يغرقون ببطء؛ كي لا نصرخ عند الاصطدام بجدار العدم. لم يكن للإنسان يوماً سببٌ منطقيٌ ليؤمنَ بالمستقبل، لكنه فعل ذلك على أيّ حال، كما فعلتَ عندما قلَبتَ فردة الحذاء لتحفظ مشاعر الإله، وكما فعلتَ عندما قلت: أحححح ما أطيب هالعرقسوسات.

إنه نوع من السّحر الأسود، هذا المشروب، وهذه القدرة على تغيير أسماء الأشياء كي تصبح أقل وطأة. حين يخذلنا الواقع، نعيد تدوير الانكسارات في قوالب جديدة كي نمنح أنفسنا مبرراً للاستيقاظ في اليوم التالي، الفشل "تجربة"، الملل "نضج"، الخسارة "درس"، وطعمُ الأسيد المُحلَّى "دمعة هالعرقسوس". 

الأمل يزدهر في الفراغ، في عدميّة المستقبل التي نكسوها بطلاء وردي لنخدع أنفسنا. في السجين الذي يصدق وعد سجانه بالإفراج القريب، في العاشق الذي ينتظر رسالة لن تصل، في المريض الذي يبتلع الأدوية كطقس وثني ضد الموت، في شارب العرقسوس المتلهّف لقضم سمبوسة الجبن، يغيّر بها طعم فمه المُتقنِّع بابتسامة زائفة تخفي وراءها براعمَ تذوّقٍ تستغيث. 

نحن كائنات تمارس خداع الذات على نحو مَرَضِيّ، ولو لم نفعل، لفرَرنا منذ زمن طويل من هذه المسرحية العبثية المُسمّاة وجوداً. كذلك، لم يملك أحدٌ الجرأة ليقول بصوتٍ عالٍ إن العرقسوس ليس لذيذاً، ليس طيباً يا الله، لا يُطاق يا عمّي. لكنه إرث، ونحن نمارسه بالطريقة نفسها، لأن أحداً قبلنا فعل ذلك، وأقسمَ أنه وجد طعماً مستساغاً سيأتي بعد قليل.

شعورك تجاه المقال؟