دراسات الحدود: مدينتك تبدو أجمل ليلاً لعدم قدرتك على رؤيتها
آدم مؤزَّر - وطواط الحدود
٢٧ فبراير، ٢٠٢٥

أثبتت دراسة حديثة أعدَدتها قبل قليل أن مدينتك العزيزة التي تحبها ومبسوط عليها في الليل هي في الحقيقة كُخَّة، وأن العتمة تساعدك على فقدان الذاكرة الإرادي الذي تمارسه لنسيان الساعة التي خلقت فيها داخل هذه البالوعة، فتخفي شقوق الأرصفة المحشوة بأعقاب السجائر، والأشجار المصفرّة الهزيلة، والأبنية المتقشّرة المزينة جدرانها بصور القادة المهترئين والسخام يعتليها، وأكوام القمامة مع ذبابها، وأسلاك الكهرباء المتأهبة للسقوط، والشوارع بمطباتها وحفرها وبرك المياه الآسنة، وتخفي أيضاً قاطعي الشوارع المتبخترين كأنهم في نزهة، والطفل الجحش الذي يتخذ وضعية الاستعداد للانطلاق منتظراً أن تصل المسافة بينك وبينه ربع متر ليقطع الشارع بسرعة لأنه سوبرمان، والسائق التافه الذي يوقف السير ليدردش مع صديقه الحميم في السيارة المجاورة أو الدكان، وفوق كل ذلك تخفي الشمس التي تجبرك على رؤية هذه المشاهد وأنت عالق في الزحام.
وأوضحت الدراسة أن هذه العتمة تجعل كل شيء متجانساً متناسقاً لأنك لا تراه أصلاً، وتضفي أجواء حالمة تتيح لك أن تسرح بخيالك، فيتحسن مزاجك النعل وتتخيل مدينتك أقل بؤسا من حقيقتها، فتتحملها. إلّا أن مجيء الصباح في اليوم التالي يعيدك إلى حالتك المعتادة من التأمل والتنهد العميق تحت الشمس التي تجبرك على رؤية هذه المشاهد وأنت عالق في الزحام.
وأشارت الدراسة إلى أن غياب روائح عوادم السيارات، والحمامات العامة الارتجالية عند مواقف الباصات، وقطعان السيارات التي تتواصل بالأبواق، وأصوات التواصل الحميمي أو العنيف بين السائقين، وأصوات الحفارات، وهدير مولدات الكهرباء، نعم، أشارت الدراسة إلى أن غياب هذه العوامل وعوامل مشابهة يلعب دوراً كبيراً في الاعتقاد بأن المدينة جميلة، إلا أنها لن تتوسع فيه، لأنها دراسة تتعلق بما تراه، والحديث عمّا تشمّه أو تسمعه يحتاج إلى دراستين إضافيتين.
مشرف الدراسة، الأستاذ الباحث آدم موزَّر، استثنى بضعة أحياء في مدينتك، تلك الأحياء التي تدخلها فتشعر أنك انتقلت إلى عالم موازٍ، أو أنك سافرت إلى المستقبل الجميل، الأحياء التي لا يكترث سكانها الباربيّات لهذه الدراسة، لأنهم سعداء ليلاً نهاراً صيفاً شتاءً بمدينتهم الجميلة الهادئة الوادعة ذات الشوارع النظيفة المُعبّدة الصالحة للتمدد والاسترخاء، وأرصفتها الأنيقة المزدانة بأحواض ورد، تتوسطها أشجار خضراء يانعة، تصلح لتبادل عهود الحب في ظلها ثم التمدد والاسترخاء.
وفي ختام الدراسة، أوصى الأستاذ آدم بجعل الدوام ليلياً، أو تعتيم المدينة في النّهار. وإلى أن تتحقق توصياته، ينصحك بالتغافل والتعامي عمّا تراه، أو على الأقل توجيه نظرك نحو الجانب المشرق من المدينة، ذلك الجانب الصالح للتمدد والاسترخاء.