رسالة من تحت اللِّحاف
- - -
٢٣ فبراير، ٢٠٢٥

عام ١٧٨٥، أثناء غرق سفينة يابانية، جلس البحار شينوماتسياما يُمَزْمِز الساكي ويكتب رسالة حب وعزاء لزوجته وولديه، ثم وضعها في زجاجة ورماها في البحر، وبعد ١٥٠ عاماً، رست الزجاجة على شاطئ قريته وعثر عليها حفيده الخامس؛ وعام ١٩٦٣ نشر مارتن لوثر كينج "رسالة من سجن بيرمنغهام" فكانت من أبرز الوثائق في تاريخ حقوق الإنسان؛ وعام ١٩٧٠ نشر نزار قباني "رسالة من تحت الماء" وصارت أغنية خالدة بصوت العندليب؛ لذا، لا أجد حرجاً أن أكتب لكم اليوم بأصابعي المرتعشة رسالةً وأنا متوارٍ تحت اللحاف، متدثراً بكل البطانيات والملابس، لأخبركم قبل أن تتجمد الفكرة الأخيرة في عقلي أنني أرفع القبعة، والقبعة الثانية، والكوفية من تحتهما، إجلالاً وتبجيلاً لتغيّر البيئة والمناخ والاحتباس الحراري.
أكتب لكم لنتذكر أيامنا الخوالي، قبل أن يحل علينا هذا المنخفض اللعين. قبل أن يتداعى متهورون للدعاء بنزول المطر، ويقلب طائشون أرديتهم في صلاة الاستسقاء، ويخربوا علينا الاحتباس الجميل الحنون، الذي جعل الشتاء صيفاً دافئاً حنوناً، وحال بيننا وبين الغرق في أوحال الشوارع ومستنقعات الأرصفة؛ لم نضع قطع طوب ترتفع عن النهر الجارف في الشارع نقفز فوقها كلاعبي السيرك؛ بانت سعاد ولم تغب عن العمل، نجونا من نزلات البرد وعضّاته، والإنفلونزا، والربو، والتهاب القصبات، والالتهاب الرئوي، والتهاب الحلق، والتهاب الأذن، والتهاب الجيوب، فلم نسفح دخلنا على الأدوية وتكاليف التدفئة، وتمكّنا من الاستمرار بسداد الأقساط والديون وحالات الطوارئ المعتادة.
فسلام عليك أيها الاحتباس
سبحانك ما أرحمك
إني أصلي لبقائك تاجاً فوق رؤوسنا
ارفع حرارة الأرض
ارفعها
كثيرون يرونك خطراً علينا ويحذرون منك. لست أكترث بهم، سأنظر إلى النصف غير المتجمد من الكأس وأشكرك، فأنا أعيش في بالوعة الكوكب حيث المساوئ تحيط بي كلهب يحيط بالفتيل
ارفع ولا يهمك …
هذه الطبيعة كلبة بنت كلاب
لا هي أمي ولا تمت لي بصلة
ماذا نقول بأم تثور على أولادها فتضربهم بالعصا، ثم تحشوهم بالشوكولاتة والبطاطا المقلية والدجاج المقلي والشاورما الدبل مع تكثير المثوّمة يا سلام .. نعم، ماذا نقول؟ وماذا نقول بـ "أمّنا الطبيعة" تثور علينا بالزلازل والبراكين والأعاصير ثم تعطينا اليورانيوم والغاز والبترول والفحم الحجري؟ لا، لست معنيَّاً بها، وليعالج أمرها أولادها البيض والصفر المدللون. أما أنا، فلم أرتكب بحقها شيئاً، وليقنصني هواة الصيد حين يكتشفون أنني تبولت ذات مرَّة تحت شجرة.
ارفع أيها الاحتباس. سأحتفل بك وأشكرك، وحين يأتي الصيف وأبدأ بالغليان، سأكون الجاهلي الذي يعبد صنم التمر ويطيح برأسه حين يعض الجوع معدته. سأتمدد على البلاط وأتقلب على ظهري وبطني وأنا أكفر بك وأدعو لزوالك. لأنني العبد الفقير صاحب العين البصيرة واليد القصيرة التي لم أوقِّع بها اتفاقية للمناخ ثم انسحب منها ثم أوقِّعها مجدداً ثم انسحب منها، ولا أسهم لي في شيل أو توتال أو أرامكو.
الهواء ينفد. لن أرفع اللحاف لأتنفس، لا. لن أرضخ. اسخطني يا رب. اجعلني بقدونساً، كزبرةً، طحلباً تافهاً على صخرة أتنفس ثاني أُكسيد كربونك. لا تتركني فريسة للبرد، فهو قاس يا رب، يا رب، يااااا رب. أشعر بالدوار، هل انتهيت من الرسالة أم أنها انتهت مني؟ هل أُغمي علي؟ هل سأستيقظ غداً أم أنه الوداع … الودااااع … اذكروني ... واشكروا الاحتباس.
آدم مؤزَّر