تغطية إخبارية، تقرير

الباطون، الحديد، وعوامل أخرى ضرورية للبلد بعدما أثبت الحب فشله في تعميرها

فتحي العترماني - خبير في شؤون اضطراب ما بعد الأسد

Loading...
صورة الباطون، الحديد، وعوامل أخرى ضرورية للبلد بعدما أثبت الحب فشله في تعميرها

سقط نظام الأسد وآلة تدميره، وصار حريّاً بنا أن نقفز إلى قطار إعادة الإعمار قبل أن يدهسنا ويكمل نحو وجهة أخرى أكثر جاذبية للمستثمرين. ولإعادة الإعمار، نحتاج أسساً مادية تدعم نظيرتها المعنوية التي بدأنا تخزينها منذ عام ٢٠١٢ عندما اتخذنا قراراً شعبياً بأننا بالحب سوف نعمرها، فقصفنا الروس وتكسّرت قلوب الحب على رؤوسنا ولم يعد قادراً على إصلاح ٩٠٪ من البنية التحتية، وبعد سنوات من المحاولة، اكتشفنا أنه لا يصلح كمواد بناء، ولا يستخدم في الصبّ، ولا يمكن تسليحه مثل الحديد، وبالكاد يملأ الفجوات العاطفية بين الطوائف.

فالسنّة يكرهون العلويين، والعلويون يكرهون الإسماعيليين، والعرب يكرهون الكُرد، والكرد يكرهون العرب والأتراك، والدروز يكرهون الجميع، وهناك حرب أهلية بالجبن بين الحمويين والحمصيين، ولا يعترف أهل داخل السور بشاميّة من هم خارجه. لذا وضعنا قائمة بمواد وعوامل متفقٌ عليها يمكنها أن تعمّر البلاد لنترك الحب للاستهلاك الشخصي:

الباطون 

عنصرٌ محايد، لا هو أبيض ولا أسود، رماديٌّ لا يُحسب على الحديد ولا الخشب ولا الإكساء الداخلي ولا التصميم الخارجي، تحتاج البلاد الكثير الكثير منه، ومع البرودة يزداد صلابة بعكس الحب الذي يتلاشى معها. وكما يقول الأثر: لا باطون دون حديد؛ فإن كان الباطون القلب فالحديد هو الدم الساري داخله. كما أنه لا يحتاج تأشيرات ولا ينتظر تجديد وثيقة السفر ولا توجد حواجز تمنعه من التنقل بين المحافظات… الجميع يحبّه ويمكنك تشكيله كما تريد، وهو على الأقل لن يخبرك بعد خمس سنوات أنه لم يكن سعيدًا معك طوال الوقت، ولا تكافح الحكومة السورية الجديدة ظهوره علناً في الشوارع كما الحب، بل وتؤمّن لك كل ما تحتاجه من محمد حمشو للحصول عليه.

الاقتصاد

لا يتعارض مع الحب في جوهره، فحبّ القطع الأجنبي المكدّس في الخزائن، وحب المستثمرين الأجانب، وحب المشاريع الضخمة، جميعها أوجه حبّ لم يختلف عليها صانعا قرار. لذا فإن الاقتصاد بات يعني للأسف تدفق الكاش وحسب، فبالكاش وحده يمكن شراء الحديد والباطون والمستثمرين والحب وكل ما يلزم لإعادة إعمار البلاد وإعمار أواصر المحبة وإعمار النفوس وإعمار الإماراتية وأي إعمار تريده.

تعليق العقوبات

بالحب يمكنك أن تغازل شريكك، لكن بتعليق العقوبات يمكنك أن تُهديه كوبوناً مفتوحاً على تيمو المحجوب حالياً في سوريا. وهذا ينطبق على البلاد، فالعقوبات جاثمة على صدورنا؛ فإن أردنا أن نحب، حدَّت من وسائلنا للتعبير عن هذا الحب، ولكن يمكن للمصرّين على الشعارات أن نرفع "بالحب نعلّقها" أمام الأمم على الأقل. 

الضمير الحيّ

سيكون من المجحف التركيز على الجوانب المادية فقط في عملية إعادة الإعمار، فالتجارب التاريخية تثبت أنَّ الضمير الحي ربما يكون أعلى أولوية من الحب في قطاع الإنشاء والتعمير، فالأوروبيين أطلقوا إعادة الإعمار بعد حربٍ إبادية لم يطِق أحدٌ فيها الآخر، ولا تحاول إقناعي أنَّ نصف مليار صيني خرجوا من مجاعة الخمسينات يكنّون لبعضهم مشاعر المودّة والأُلفة.

شعورك تجاه المقال؟