رحلة تحولنا من مجبورين لممحونين
فتحي العترماني - كاتب شَرعوسيكشوال
٢٣ فبراير، ٢٠٢٥

رحلةٌ طويلةٌ خضناها لم تكُ يوماً سهلة. رحلةٌ ملؤها الإكراه والأقنعة البعثية الطليعية وانتزاع هتافاتٍ أسدية من الحناجر في الساحات. لكنها انتهت الآن، ومع التحول السياسي يأتي التحول الشخصي، لم يعد هناك فرع جويّة يعتقلنا إن لم نهتف للقائد، لم تعد هناك قناة الدنيا ترغمنا على الصراخ باسم القائد أمام الكاميرات، ولم تعد هناك السيدة عواطف التي تُخرجنا من الدرس قبل الأخير للمشاركة في المسيرة، تحررت سوريا ومعها انفجرت رغباتنا المكبوتة منذ ٥٤ عاماً جامحةً عارمةً هائجةً هائمةً غارقةً في حب القائد المحرر.
لا تهمّ فحوى الهُتاف، لا يهمُّ الهاتف ولا المَهتوفُ له، فالهُتاف المبتدى وسدرة المنتهى، الهُتاف أسلوب حياة، لكنه كان لعقودٍ منزوع الحياة نفسها؛ مصبوباً صبّاً أيديولوجياً بعثياً في عقولنا منذ نعومة الأظافر. اليوم بُثَّت به الحياة مرة أولى جعلها سرمدية، أعطاه القائد الفاتح قُبلة الحياة بشفتيه المُمتلِئَتين ولحيته المُشذَّبة وشاربه الثخين الحُرّ، قُبلةٌ تلقّيناها فتدفقت دماء الحرية والحماسة في أوردتنا لنقف حوله مُنتصبي الأيدي رافعي الجباه مُشعلين فلاشات الموبايل في الساحات.
أجبَرَنا الفارّ البائد على التسبيح إكراهاً باسمه ليلَ نهار، فجاءنا الفاتح مُولِجاً القبول في أفئدتنا، نسبّح باسمه تسبيحاً لا رياء فيه، فنحن اليوم نحن ممحونين محناً حرّاً لا تحفيز قسريّ يُؤجّجه.
حماكَ الله يا شرعُ، فداك العينُ والدمعُ…
إلى الأبد إلى الأبد يا قاهر الأسد..