التفّاحة الفاسدة تفتحُ قلبَها للحدود
صدّام حسين التاجوري - كاتِبٌ ونِصْف
١٣ فبراير، ٢٠٢٥

في المدرسة الابتدائية جمعَنا مديرُ المدرسة بعد أن وَجَد خربشةً على جدارِ الحمام يبوحُ فيها أحد الفتيان بحبّه لزميلته. لم يلتفت المدير إلى كونِ الحمّام غير صالحٍ للاستعمال تفوحُ منه روائحُ البَوْلِ التي علقت منذ العام الماضي، ولا إلى المؤامرة التي تسري في المدرسة عن شبحٍ احتلّ المرحاض وصار يبتزُّ التلاميذ عاطفياً فيه. كان موضوع الجمع أهمّ وأخطر، فقد اكتشفَ المدير أنّ ذاك الفتى لم يكن إلا تفّاحة فاسدة أرادت إفساد الممتلكاتِ العامّة ومحاولة إغواءِ فتاة وهو لم يجتز بعد العاشرة من العمر. صاحَ فينا المدير أن نخرج هذه التفّاحة، فهو يعلم أننا نعلم أنّه يعلم بوجودها، وقال لنا إنّ الوقت قد يفوت، فلا يمكنه أن ينقذ الصندوق ما لم نتعامل معها، ومن وقتِها، تخيلتُ نفسي تفّاحةً، خضراءً، ربما صفراء، مكوّرةً، لذيذةً وربما أصلحُ لكعكةٍ أزيّنها من الأعلى.
تمادى بي الحلم، فصرتُ أخاف التفّاحاتِ الفاسدة وأتحاشاها، حتى لا أضطرَّ بعدها إلى أن أتلقَّى العلاج الذي وصفه مديرنا لتفاحةٍ فاسدةٍ عمرها سبع سنوات، إذ ربطَها وظلّ ينهالُ عليها بالعصيّ والركلات واللكمات والمسبّات حتى يخرج الدود منها. فعشتُ عمري كلّه أحاول قدرَ الإمكان أن أبقى ناصعاً، دون الحاجةِ إلى مبيداتٍ حشريّة، حتى خرجتُ من إفريز مدير المدرسة ذاك إلى العالم الحقيقي، حيثُ تعرّضتُ لعوامل تعريةٍ بسيطة، كأن هزّت كياني حربٌ أهليةٌ تدمّرت بسببها دكّانة الخضار التي كان يملكها الخضّار، قائد بلدنا. وهكذا أخذت الفواكه والخضروات تتمرّد على بعضها وتشكّلُ تحزبات وتفتح دكاكين وتسنّ سكاكينها لتقطيع بعضها؛ فأنشأ الموزُ كتيبةً بدأ على إثرها يحشرُ نفسه في مؤخراتِ الغلابة، ووجدت تفاحة سياسية فاسدة الفرصة لنهبِ صندوقٍ، واستطاع فجلٌ أن يعلن نفسه القاضي بأمر الله في خضرواته.
حاولتُ إثرَ ذلك أن أحمي نفسي بورقِ الكتب والصحف والمجلّات. أحببتُ ذلك الورق، وأحببتُ ملمسَ الكلمات التي بدأ حبرها يتغلغل في جسدي، حتى تلوّثتُ بها وصرتُ تفاحةً فاسدةً أخرى، لكن هذه المرة لا تشبه بقية التفّاحات اللائي يقدنَ صناديقَ تفّاحٍ فاسدٍ في البلد، بل تفّاحةً فاسدةً واحدةً تودّ العيش بحريةٍ مع دودةِ كتبٍ احتلّتها.
إذن، أصبحتُ تفّاحةً فاسدةً وحيدةً، أو هكذا ظننتُ، حتى بدأت تتسرّب إلى عقلي أفكارٌ شريرةٌ كان مدير مدرستنا يحذِّرنا منها. صرتُ أتَلذّذُ بالجلوسِ جنب تفّاحةٍ طريّةٍ لذيذة أنقل دودي وعَفَني إليها، فأقول لها مثلاً إنّ حرية التعبير مكفولةٌ للجميع، وإنّ علينا أن نحترم حقوق التفّاح، وعلينا حقاً البدء في نقدِ مخلّفاتِ ديكتاتورية الخضّار، ومن قسّم دكّانة الخضار بعده إلى دكانة للموز وأخرى للتفاح وثالثة للخيار. وعندما أعلم أنّ دودةً من الديدان التي تعيشُ في جسدي قد دخلت إليها، أنتقل إلى التي بعدها أعيثُ في لُبِّها الفساد. هكذا أصبحتُ مهووساً بمحاربةِ تأثيرِ مبيدات الحشرات على عقول الفواكِه، وطرحِ أسئلةٍ عَفِنةٍ عن التعرّضِ لشعاعِ الحرية وغيرها من عواملِ التعرية، حتى نسيتُ أنني كنتُ طفلاً قبل أن يشبِّهني مدير المدرسة بالتفّاحة، وأنه لو أدّبنا أجمعين بالفلقة، دون الحاجة إلى الدخول في دروس البلاغة والكناية والتشبيه التي لا يستوعبها عقل طفل، لفهمنا الدرس أحسن.