دراسات الحدود: أنت لا تركب المواصلات، بل المواصلات هي من تركبك
مايكل أبو العاص - مراسل الحدود المتأخر عن عمله
١٣ فبراير، ٢٠٢٥

كيف سأقنع زملائي، الذين يصلون إلى العمل بسياراتهم قبلي بنصف يوم، أنني في كل صباح أخرج في وقت أبكر بنصف ساعة عن الأمس كي لا أتأخر؛ ومع ذلك أتأخر بنفس القدر الذي أتأخره كل يوم. وأنني -لا والله- لم أعد قادراً على الخروج في وقت أبكر، فالساعة الآن الثالثة صباحاً وأنا أنتظرُ منذ ساعة أمّ الحافلة.
وكوني جالسٌ معزّز مكرّم تحت موقف لا مظلّة له، فكّرت في إنجاز عملي الآن كي أصل مكتبي ومعي ما أضعه في عين مدير التحرير، ورئيس التحرير ومديرة قسم التصميم ومدير الإتش آر ومديرة الحسابات -صحيح! ما كل هؤلاء المدراء الذين في انتظاري، ألا يوجد موظف عادي غيري؟- وأعددتُ هذه الدراسة الأكاديمية التي حكَّمها أقراني في الموقف.
خلصت الدراسة إلى أننا لا نركب المواصلات بل المواصلات هي من تركبنا وتقطَعُنا زمانياً ومكانياً، كما جاء في تحليل إجابات عينة عشوائية من المتوافدين إلى الموقف الذين يمارسون الانتظار معي وصار بيننا خبز وملح وسجائر وفكّة ورائحة عرق، ونتقاسم نفس الوجوه المحفور على جبهاتها قسائم الرواتب المُقتَطَع نصفُها.
وأوضحت الدراسة أن وقوف الحافلة بثبات وعزّة نفس عند الموقف منتظرةً انتهائنا من طقوس التدافع ومسح كرامتنا ببعضنا وبالأرض، يشير بوضوح إلى أننا نحن من نتحرّك ونشقّ طريقنا لا الحافلة؛ كما أن ٨١٪ من عيّنة الدراسة أكدت أنها لم تشعر بانتقالها إلى أي مكان خلال الربع ساعة الأولى من الصعود
بينما لم يتسنّ لأفراد العيّنة رصد أي شيء من النافذة المغطاة بالرؤوس لإثبات إن كان هنالك أزمة مرورية فعلاً؛ ما يوحي بأننا نحن المتوقّفون وليس الحافلة. أي أن وسيلة النقل هي من تركبنا وتنتظر منا كبشر اتخاذ قرار والتحرك نحو وجهتنا.
وبيّن الركّاب أنهم يشعرون بالحافلة تعيد تشكيلهم على مستوى جُزَيئي، حيث يخرجون منها أقل شباباً وأكثر تعباً وبهدلةً. وقال ٧٨٪ منهم أنهم لم يلحظوا أي فرق بين الركاب في عملية تبادل الأسرى التي تسمّى "تحميل وتنزيل"، ما يثبت أن المواصلات تعيد تشكيلنا داخل الزمكان في انتظار الدخول في ثقب أسود نحن والزملاء الذين يركبون السيارات لعنهم الله.