وسائل التفاصل
٠٨ فبراير، ٢٠٢٥

لاحظ الأب أن ابنه الوحيد لا يتحدث معه تقريباً، فسأل زوجته لعلها تعلم سبب هذه السلبية، فأخبرته بأنَّ ابنهما لا يتحدث معها إلا نادراً أيضاً، ويمضي معظم وقته بين التلفون واللابتوب. فاتفق الأب والأم على محاولة إخراج ابنهما من قوقعته، وقررا أن يذهبا في نزهة كانا على ثقة بأنها ستبعث السعادة في نفسه، ولكن الابن رفض الفكرة بشكل صارم وقال "اذهبا بمفردكما" مما دفع الأب إلى إرغامه لتلبية الدعوة.
في النزهة كان الولد حزيناً لعدم وجود الإنترنت، وباءت محاولات أبيه وأمه لإخراجه من هذه الحالة بالفشل، وكانت نظراته إليهما أشبه ما تكون بنظرات ازدراء ممزوجة بالشفقة. وانتهت الرحلة إلى أحضان الطبيعة بالفشل الذريع.
فكر الأب باصطحاب ابنه إلى طبيب نفسي، ولكنه عدل عن الفكرة لسببين: أولاً، أنه اكتشف أن معظم أبناء معارفه يشبهون ابنه في هذا المجال، وثانياً، لأن زيارة الطبيب النفسي في بلادنا قد تلصق بالولد صفة ترافقه حتى نهاية حياته، وقد تسبب له مشاكل في الزواج لاحقاً على سبيل المثال، مما جعله يعدل عن هذه الفكرة.
حالة الولد الذي كان أبوه يتمناه شعلةً متقدةً بدلاً من هذه البزَّاقة التي تمضي معظم نهارها خلف الشاشات الزرقاء التي حولته إلى كائنٍ مترهلٍ، جعلته يعقد اجتماع أزمة مع أمه، ويقرران أن يعدل الأب عن محاولة إرغام الولد على فعل شيء لا يرغب فيه، وعقد صداقة معه تجعل تأثير الأب أكثر فاعلية. وهكذا توجه الأب إلى ابنه الجالس في غرفته المعتمة إلا من ضوء الشاشة وقال له بصوتٍ حنون:
- ما رأيك أن نصبح أصدقاء؟
فردَّ الولد متسائلاً دون أن يرفع عينيه عن الشاشة:
- أين؟ على الفيسبوك أو الانستغرام أو التيكتوك؟