لايف ستايل، خبر

الذكرى السنوية لليوم الذي لم تفعل فيه شيئاً مهماً

إيميل سيوران - -

Loading...
صورة الذكرى السنوية لليوم الذي لم تفعل فيه شيئاً مهماً

إيميل سيوران يكتب للحدود

اليوم، وكما كل يوم في كل أسبوع من كل سنة، تحلّ ذكرى اليوم الذي لم تفعل فيه شيئاً مهمّاً. وكعادتك، وسواء امتلأت أيامك بالأحداث أو خلت منها، تقف تحت الدوش جالداً نفسك بالليفة وتتساءل: وماذا بعد كل هذا العدَم؟ 

ربما كان هذا اليوم أكثر صدقاً من غيره، لأنك أدركت، ولو بلا وعي، أنه لا يوجد شيء يستحق الجهد حقاَ، وتصالحتَ مع العدميّة وبتَّ تسأل ماذا بعدها، وليس ما بديلها. بدأت ترى العالم مكاناً مملوءاً بالفراغ والذكريات غير المهمة؛ وهي في الحقيقة الذكريات الوحيدة الصادقة، أما الأيام التي ملأتها بالأفعال، بالأحداث، بالقرارات، فكلها عدَم، كلها مجرد مناشف بالية تحاول  تنشيف رأسك بها للخروج من الحمّام/العدم إلى عدمٍ آخر.

في مثل هذا اليوم، واجهتَ العدم وجهاً لوجه. لم تهرب. لم تختبئ خلف قائمة مهام سخيفة كلفّك بها مديرك السخيف، لم تخدع نفسك بأنك مفيد لأنّك اشتريت لأهلك أوقية قهوة كما طلبها والدك تماماً دون أي خطأ في نسبة القهوة السوداء إلى القهوة الشقراء، هذا اليوم لم يكن "غير مهم" كما تعتقد، بل كان "غير مُضلّلٍ" كان أنقى أيامك، لأنك لم تحاول تزيينه بوهم المعنى.

وبينما تتذكره، تفسده بمحاولة منحه تفسيراً. هنا، في هذه اللحظة، تُفقده ما جعله يوماً عظيماً وتدخله في عجّانة الزمن ليصبح جزءاً من وهم الذكريات. كخزانة الملابس التي فصّلها لك النجار ولم تكن "تحفةً" كما وعدك. ظننتَ أنك اشتريت شيئاً ثابتاً، قوياً، له وظيفة واضحة… لكن ماذا وجدت؟ قبرٌ مؤجّلٌ، مجرد وهم من خشب هش، مستودع للذكريات المتآكلة، مكان تضع فيه الملابس التي لم تعد تناسبك، الأوراق التي لن تقرأها مجدداً، والهدايا التي لم تجرؤ على التخلص منها وصور طفولتك البشعة بملابس قبيحة ومخاط يملأ وجهك. 

هذا النجار ليس مجرد محتال صغير. إنه الزمن، إنه التاريخ، إنه كل وعود الحداثة التي تبين لاحقاً أنها مسامير صدئة في ألواح رخوة. لقد خدعك كما خدعك الزمن عندما ظننت أن أيامك ستعني شيئًا. لكن، أليس في احتجاجك عليه إنكار لحقيقة أعمق؟ حقيقة أن الخزانة هي الصادقة وأنك أنت الأعمى! لا، النجار لم يحتل عليك، النجار كان فقط انعكاساً لحالة الكون، النجار هو الزمن وقد جاءك على هيئة رجل بأداة قياس وابتسامة مريبة ليبيعك العدم بدلاً من الحصول عليه مجاناً. ما من معنى لأيامك، واخرج من الحمّام لأنّ الخزّان فرَغ.

شعورك تجاه المقال؟