في ضرورة وجود وزارة أخلاق تؤدبنا
٠٣ فبراير، ٢٠٢٥
صدّام حسين التاجوري - كاتبٌ ونِصْف
فليعذرني المسؤول العربي بالقولِ إنّ هناك قصورًا في تهذيبِ المجتمع الفلتان، ولم نقدر حتى اليوم على مأسسةِ الحفاظِ على قيمِ الأسرةِ العربية. ما الحاجة إلى أجهزةٍ أمنية مثلَ شُرَطِ الآدابِ أو أجهزةِ الرقابة على الأخلاقِ العربية السامية؟ ما دمنا نتعامل مع المسألة بعشوائيةٍ فظّة تسمحُ للمنحرفين أخلاقيًا، أمثالي، بالنفاذِ إلى عقولِ الجماهير العريضة ونحشوها بفنونٍ وآدابٍ ورذيلةٍ وآراءٍ مختلفة؟
فما الذي يمنعنا من إنشاءِ وزاراتٍ للأخلاق لها وزيرها ووكيلُ وزيرها ووكيلُ الوكيل وإداراتها وأقسامها وأجهزتها وسياراتها وموظفوها وميزانيتها المستقلة عن حضرةِ جنابِ وزارةِ الداخلية ومعالي وزير الداخلية المشغول بتتبعِ الكتّاب والفنانين والصحفيين والحقوقيين السَّفَلة الذين يهددون الأمنَ القومي؟
ستفتحُ وزارة الأخلاق آفاقًا واسعةً أمامنا، فتتوالد وتتكاثر منها، بطريقةٍ شرعيةٍ بالطبع، لجانٌ وإدارات تحسبُ اتساعَ سراويلِ الجينز للنساءِ والرجالِ والعجزةِ والأطفالِ أيضًا، فالمجتمع الذي يودّ الحفاظ على أخلاقِه يبدأ منذ الرضعةِ الأولى.
ثمّ ما الحاجةُ بسراويلِ الجينز؟ يمكنُ للوزارةِ أن تضعَ معيارًا أخلاقيًا للملابسِ المباحةِ والمحظورة، فيهتمُّ موظفو إدارةِ تصميمِ الملابس، عندما يفرغون من شربِ القهوةِ والشاي والحديثِ لساعات، بتصميمِ ومراقبةِ ومتابعةِ وملاحقةِ وتدقيقِ وتمحيصِ الملابسِ الرجاليةِ والنسائيةِ والعمرِ المحيّرِ والعجزةِ والأطفال، فليسَ من الطبيعي، ولا الأخلاقي، أن تسمحَ عجوزٌ في الثمانين لنفسها بإظهار ساقها من فستانها المورّد، بل ليس من الطبيعي أن تظهر لنا في فستانٍ مورّد، وإن أردتَ رأيي فليس من الطبيعي أن تظهرَ لنا حتى.
وهكذا يمكنُ توسيعُ هذا الاقتراحِ البسيطِ على بقيةِ مناحي الحياة. فالعاقلُ الفهيمُ الذي يخافُ على قيم المجتمع يعلمُ تمامًا أنّ كلَّ شيءٍ يمكنه أن يُفسِدَ أخلاقَ المجتمع. ولهذا وجب وضعُ قوانين لكيفيةِ شربِ الماءِ في الأماكن العامةِ حسبَ الجنسِ والعمرِ والحالةِ الاجتماعيةِ والماديةِ والسياسيةِ والدينية، إذ لا تستوي خطورةُ مشهدِ امرأةٍ ثلاثينيةٍ، نهداءَ غنجاءَ كُحليةَ العينينِ عزباءَ، تشربُ من قنينةِ الماءِ في ساحةٍ عامة، مع مشهدِ خمسيني أصلعَ الرأسِ يفعلُ نفسَ الفعل. وهكذا سنحتاجُ إلى إدارةٍ في الوزارةِ مختصةٍ بشربِ السوائل، حتى لا نكونَ حنبليين أكثر من ابنِ حنبل، ونضعَ إدارةً للماءِ وأخرى للحليب، مع أنّ لكلٍّ منهما رمزيّته ودرجةَ الإغراءِ فيه.
وعلى سيرةِ درجةِ الإغراء، هذه لوحدها تحتاجُ مركزًا علميًا يتبعُ للوزارة ليقيسَ كلَّ درجاتِ الإغراء التي قد تحرّكُ المشاعرَ الساكنةَ والطبائعَ الفاسدةَ التي قد تُفسدُ مجتمعاتِنا المحافظة، والمركزُ سيحتاجُ إلى أجهزةٍ علميةٍ متطورة، مما يعني أننا نحتاجُ جامعةً في علومِ الأخلاقِ والتربيةِ الحميدة، ومنها تنبثقُ كلياتٌ وأقسامٌ علميةٌ رزينةٌ في علمِ نقدِ الهشّك بشّك، وعلمِ آدابِ المقاهي، وجدلياتِ علمِ الإباحةِ والأخلاقِ المقارنة.
هكذا تُبنى الدول، وهكذا تتطوّرُ وتتقدمُ المجتمعات، على أرضيةٍ صلبةٍ ومؤسّساتية. لم نتأخر إلا بسببِ الارتجالِ وأنصافِ الحلولِ وتتفيهِ المهمِّ وتضخيمِ التافهِ. ما الذي جنيناهُ، حتى يومنا هذا، من القراراتِ العشوائيةِ والارتكانِ إلى قواعدَ غيرِ واضحةٍ في تحديدِ قيمِ المجتمعِ وأخلاقِه؟ يجبُ أن يكونَ عندنا نماذجُ جاهزةٌ لكلِّ مرحلةٍ عمريةٍ لشكلِ المواطنِ الصالح، وهذا النموذجُ مُفَصّلٌ فيه أكلهُ ومشربهُ وملبسهُ وطريقةُ مشيهِ وكلامهِ وتسريحةُ شعرهِ واسمهُ ومشيتُهُ وتنفسُهُ وأفكارُهُ، ليس فقط في الأماكنِ العامة، بل حتى في أشدِّ أمرِهِ خصوصيةً، فنضعُ له نموذجًا لطريقةِ قضاءِ حاجتِهِ بما لا يخالفُ عاداتِنا وتقاليدَنا، وبالطبع يجبُ علينا مراقبتُهُ وتتبُّعُهُ، فمن يدري ما الذي يفعلهُ هذا الجيلُ الجديدُ في خصوصيتِه؟