مقال نقدي بعنوان حذر يحاول قدر الإمكان أن لا يظهر وكأنه معادٍ لفكرة المقاومة
فتحي العترماني - كاتبٌ يدرك أن الحياد رجسٌ من عمل الشيطان
٢١ يناير، ٢٠٢٥
بلغت الحرب في غزة نهايتها أخيراً، وما يهم الآن بعد توقف المقتلة أنه بات بالإمكان التفكير بالمكاسب السياسية من الحرب أو عبثيتها – ولا يُقصد من ذلك أنَّ الحرب فشلت في تحقيق أهداف سياسية أو أنَّ كاتب هذا المقال عمل بشكلٍ حثيث مع السفارات وغرف صنع القرار لإفشال الطوفان – بل فرصة للتفكير بالحرب بواقعية، حيث يقصد بالواقعية النظر إلى نتائج المعركة بمعزلٍ عن المشاعر التي كلها فخر واعتازاز وتقدير لمقاومتنا (علماً بأنني لا أقصد بأي شكل القول أننا نتكلم عن انتصار من منطلق مشاعر أو التلميح إلى الاستسلام وتسليم مفاتيح الأرض والسيادة للعدو).
يمكننا في البداية أن نسأل: "أين كنا قبل الحرب وأين صرنا بعدها؟" لكن من المهم قبل الشروع بالإجابة أن لا ننجرَّ وراء جماليات مقاطع تصوير الدرون التي نشرها معتز عزايزة ووثقت غروب شمس السادس من أكتوبر ٢٠٢٣، وأن نَعي أن تحت ذلك الجمال كانت تقبع حياة الحصار وانسداد الأفق وحساب الكالوريز الداخلة من قبل الإسرائيليين، أمورٌ تجعل من فعل المقاومة أمراً مشروعاً يجعلني أخجل من مسائلة بعض جوانبه (بعض وليس كل، وجوانبه وليس أساسه).
حسناً، قبل الحرب (عندما كانت القضية الفلسطينية في طريقها إلى التصفية وصفقة القرن ساريةٌ على قدم وساق وقطار التطبيع في أقصى سرعته) كان أهالي غزة يعيشون الحصار والتضييق تحت أسطح منازلهم التي تعلوها ألواح الطاقة الشمسية، أمّا اليوم يعيشون تحت أسقف نايلون مهترئة، فاقدين لأكثر من ٦١ ألفاً من أحبائهم (الذين لم يموتوا سدى بل تسببوا بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتغيير وعي الشباب حول العالم بما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني)، ثم ما لبثت القضية أن هبطت على سلم الترتيب مع سقوط الأسد وحرائق كاليفورنيا وعودة عرّاب صفقة القرن نفسه الذي يأمل بقضاء الصيفية القادمة في منتجعات غزة المستقبلية (ولكن فشر! فمعادلة الردع لن تسمح بتحقيق آماله مثلما أجهضت آمال من سبقوه).
طبعاً أنا مع المقاومة، وهذا لا مجال للشك فيه أو الخلاف حوله، وكما يُقال "العتب على قدر المحبّة" ولا تحمّل الفقرة الأخيرة المقاومة مسؤولية ما حدث على الإطلاق، فهي حق مشروع تحفظه المواثيق الدولية التي يؤمن بها كاتب المقال ويضعها حلقة في أذنه ويباهي فيها الأمم، ولا يُراد من كل هذا الحديث إلا ما فيه خير وصلاح مقاومتنا الباسلة من خلال ما حاولت قولهُ، وهو أنَّـ… ما الذي كنت أحاول قوله؟ لحظة… لم أُرد أن أنتقد المقاومة بشيء، أؤكد لكم أنني لست ضد المقاومة، فهي جدوى مستمرة، وأؤمن بالعمل المسلَّح، لكن كان هنالك فكرة أريد التحدث عنها… وهي في مصلحة المقاومة بدون شك وليست انتقاداً لها لكنني لم أعد أتذكرها…، لكن المهم أنني مع المقاومة قلباً وقالباً، واعذروني على إضاعة وقتكم.