تغطية إخبارية، دراسة

هل يَجُبُّ الريبراندينج ما قبله؟

آدم مؤزَّر - خبير التلوّن وتدوير الزوايا في الحدود

Loading...
صورة هل يَجُبُّ الريبراندينج ما قبله؟

هَب أنك كافر فاجر زنديق، وأنك كرعت في يوم من الأيام ألفية عرق مثلّث التقطير، تبعتها بقنينة ويسكي، ومضيت هكذا قنينة تتبع كأساً حتى لم تعد تميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ثم نزلت إلى الحارة وتبوَّلت وسط الشارع، قبل أن تقتحم منزلاً قابلت فيه سيدة فاغتصبتها وقتلتها، ثم قتلت زوجها، وخطفت الأولاد وبعت أعضاءهم في السوق السوداء، واشتريت بثمنها كوكاييناً ملوكيّاً رحت تشمّه عن غانية استأجرت خصرها لهذه الغاية، وحين ودَّعتها سرقت سيارتها وقدّتها بجنون، فطاردتك دوريات السير ودوريات الشرطة إلى أن بلغتَ جامعاً أثناء خروج المصلين، فاقتحمته ودهستهم وترجّلت من السيارة واشتبكت مع الشيخ، فنتفت لحيته وقذفت محارمه، وفجأة، باغتّه وركعت على ركبتيك ونظرت للأعلى متضرعاً وقلت "أشهد ألّا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" حينئذ لن يجد المسكين الذي كاد يهدر دمك بدّاً من الهدوء والاستغفار، فهو لم يخلع نيعك ويشقق عن قلبك ليعرف إن كنت قد تبت بنيّةٍ صادقة، ومن الواجب عليه الآن أن يفرح ويسامحك، لأن الله ألهمك التوبة وهداك واصطفاك أخاً له في الإسلام، الدين الذي يَجُبُّ ما قبله.

أمَّا رجال الأمن الذين أنهكتهم بمطاردتك حين سرقت السيارة،  فسيشقون عن قلبك ومؤخرتك يا عدو الوطن والمواطن، فهم غير معنيين بتوبتك النصوح أو إن أسلمت وحَسُن إسلامك، لأنهم ليسوا مسؤولي القضايا الدينية، بل مسؤولي الكلبشات، ومجال اختصاصهم هو الماضي وليس ما تفعله الآن أو تنوي فعله لاحقاً؛ ماضيك عندهم محفوظ في هيئة فيديوهات حصلوا عليها من الكاميرات الأمنية وإفادات شهود عيان ووثائق وملفات. ماضٍ لا يمحى إلا بحرق الأرشيفات الجنائية كاملة أو دفع رشوةٍ هائلةٍ لإتلافها.

لنتحدث الآن عن الريبراندينج في السياسة

هَب أنك انضممت لتنظيم القاعدة في العراق، وصرت من صحابة أبو مصعب الزرقاوي، ثم تعرفت إلى أبو بكر البغدادي وصرتما مؤخرتين في لباس واحد، وبعدها خاصمته فأسست جبهة النصرة، وخلال هذه الفترة كلها قتلت وسبيت وأخفيت واختطفت، شبحت المعتقلين وضربتهم بالكوابل ووضعتهم في الدولاب وطويت أجسادهم، إلى جانب ارتكابك هجمات انتحارية سفكَت دم الأبرياء، وفجأة قلت: التوبة، كنت شاباً وطائشاً، والإنسان في العشرين ليس كما هو في الثلاثين أو الأربعين، أنا لم أعد جبهة النصرة، صرت هيئة تحرير الشام، وأنا الآن دولة ومدنية، هل يَجُبُّ ذلك ما ارتكبته سابقاً؟ الإجابة هنا تتعلق بالجهات التالية، باعتبارها المعنية بالتفاعل مع هذه الخطوة:

١. الله: ريبراندك بالنسبة له لا يتضمن نطق الشهادتين، فأنت مسلم أصلاً، وكل ما فعلته كان بتأصيل فقهي لا ريبَ فيه، والمفروض أن الله راض عنك فيما اقترفت. فعمَّ تتوب إذاً؟ ولمن؟ أهناك خطأ في دين ربِّك لتتوب عنه؟ أتتوب عنه به؟ أتغيّر مذهبك؟ ممن تسخر أيها العرص؟ مشكلتك والله كبيرة. ما الحل؟ أيصح إجراء ريبراندٍ للريبراند؟ أم تكفر ثم تعود وتنطق الشهادتين؟ لا لا، فهذا سيجعلك مرتدَّاً ويعرّضك لخطر القتل على يد مؤمن متحمس قبل أن تستتاب. يبدو أن المشكلة تكمن في فكرة الريبراند، فكلما تمسكت به سيكون مصيرك دركاً جديداً أسفلاً في جهنم.

لكن، ماذا لو ذهبت للسعودية؟  اذهب إلى السعودية وتأمل المعجزات المتناثرة يميناً وشمالاً، تأمل أرامكو وذا لاين ونيوم. طُف سبّح وتعبّد، فيُمحى كل ما تأخر من ذنبك وتعود ملاكاً بريئاً طاهراً. لاحظ أن هذا الحل يغنيك عن الريبراند، ويتيح لك فرصة لارتكاب آثام وموبقات جديدة ومحوها بشكل دوري.

٢. المواطن: الله على المواطن. ليت كل عائق يمكن تذليله مثل المواطن. مرت على رأسه كل ما يخطر على بالك من أنظمة، كنعانيين مصريين فرس روم أمويين عباسيين أيوبيين مماليك مغول هولاكو عثمانيين فرنسيين بعثيين، وكل مرحلة يَجُبُّ ما قبلها بانفتاح ورحابة صدر. كل ما عليك فعله أن تعرض له فيديو أو اثنين على تيكتوك ومقابلة شيّقةً مع يوتيوبرٍ إنفلونسرٍ ليقتنع أنه في مرحلة أفضل من السابقة، أو ألغ الضرائب على الهواتف الذكية واغرق الشوارع بالمحروقات فلا يُقال انقطع تكسيٌ في بلاد المسلمين، لتراه يهرول في الشوارع يلتقط السلفيات مع سوريا الجديدة الحرّة.

لا يخفى عليك طبعاً أنك قد تواجه حالات فردية ترفض وتأبى، وهذه يمكنك أن تجُبَّها وتجُبَّ ما قبلها وما بعدها وتجُبَّ أبي أبيها.


٣. الأجانب: أصعب الخلق وأكثرهم إثارة للإعياء. بيدهم المخابرات والأقمار الاصطناعية والخوارزميات والإيه آي ومفاتيح العلن والغيب، يعلمون ما في السماوات والأرض وما في البر والبحر وما في الأرحام، ما تسقط من ورقة إلا يعلمونها، ويعلمون ما تسر وما تعلن ويعلمون بذات الصدور. إن رضاهم يقتضي أن تخلص لهم النية وتتبع ملَّتهم. ولكنك ستواجه مشكلة تتعلق بالتوقيت، لو أنك قررت التغيّر قبل قرنين أو أكثر، لعرفت لهم ملَّة واتبعتها ورضوا عنك، أما اليوم، فلا هم يهود ولا هم نصارى، حتى أنهم إسلام بلا مسلمين. وفوق ذلك، تراهم يتصرفون باعتبارهم الله والوطن والمواطن والسلطة. وهم إلى جانب ذلك ربُّ البراند والريبراند، ولن تنطلي عليهم بدلتك وربطة عنقك وحذاؤك ذو الإِبزيمَين، لكنهم سيغضون الطرف عنك ويغفرون لك ما تقدم من ذنبك حتى يحين وقت المغفرة لمتربردٍ جديد.

شعورك تجاه المقال؟