تغطية إخبارية، الحدود تسأل والحدود تجيب

إذا كان الرئيس الوحيد الممكن انتخابه يجب أن يكون توافقياً مستقلاً ومن الجيش، فلماذا توجد أحزاب؟ لبناني يسأل والأحزاب تبحث عن مندوب توافقي ليجيب

- - -

Loading...
صورة إذا كان الرئيس الوحيد الممكن انتخابه يجب أن يكون توافقياً مستقلاً ومن الجيش، فلماذا توجد أحزاب؟ لبناني يسأل والأحزاب تبحث عن مندوب توافقي ليجيب

ساق الله تلك الأيام التي لم يكن لدينا فيها دول ولا أحزاب ولا جيوش، على الرغم من أننا لا نستطيع الحديث اليوم عن أن دولتنا دولة وأحزابنا أحزاب وجيشنا جيش؛ ولكننا مع ذلك نضطر أن نسمّي طاسة الرعبة التي نعيش فيها دولة نظراً لحاجتنا جواز سفر يمكنّنا من السفر والبحث عن دولة توفّر لنا أبسط مقوّمات الحياة كالبقاء على قيد الحياة.

ليس هذا موضوعنا، ولكن كان عليّ أن أمهّد لما كلفتني الأحزاب اللبنانيّة بالإجابة عنه، بعد سؤال أحد القرّاء كثيري الغلبَة عن سبب وجود أحزاب لا يمكن لأحدها في نهاية المطاف أن يرشّح رئيساً؛ وبعد اتصالات مكثّفة ووساطة وساطة فرنسية–سعودية–قطرية توافقت الأحزاب أخيراً على تكليفي بذلك بصفتي باحثا مستقلا نزيها ومخضرما تربطني علاقة متوازنة مع كافة الأطراف حيث أقف على مسافة واحدة من كرههم جميعاً. 

وقبل الإجابة عن هذا التساؤل المحق والسمج في ذات الوقت، لفتني أثناء بحثي أنه وعلى عكس جميع أحزاب العالم، فإن الأحزاب في لبنان ليس لديها برامج مرتبطة بشعارتها؛ بالله عليك قلي أنت، أنت قلّي، هل يرغب الحزب التقدمي الاشتراكي في قيام دولة اشتراكية يتساوى فيها الدرزي الجنبلاطي مع الدرزي الأرسلاني قبل أن يتساوى مع المسيحي والمسلم؟ هل يفكّر جعجع بدولة ذات سيادة وهو لا يستطيع السيادة على أفكاره قبل استشارة السعودية وفرنسا وأميركا؟ هل يأمل الثنائي الشيعي بثورة إسلامية في بلد لا يشكّل الشيعة فيه أكثر من ربع السكان، وجزء منهم ملحدون وعلمانيون أصلاً؟ هل يعني التيار الوطني الحر ما يقوله عندما يتحدث عن دولة دستور ومؤسسات وهو يكره جميع مكونات هذه الدولة باستثناء جدّو ميشيل؟ 

ليس هذا موضوعنا، ولكن كان عليّ أن أمهّد لما كلفتني الأحزاب اللبنانيّة بالإجابة عنه بعد توافقها مشكورة على تكليفي بهذه المهمّة، بالتذكير بأن الأحزاب اللبنانية وجدت للاقتتال بين بعضها وليس للخلاف السياسي في وجهات النظر، ولكن فائض القوة الذي تمتع به حزب الله حال دون تحقيق هذه المعادلة في العقدين الأخيرين، فأصبحت الأحزاب لا هي قادرة على الاقتتال ولا هي تفهم في السياسة لتمارسها، ودون أي تخطيط وتوافق قرر كل منها التأكيد على ترشيحه لرئيس مستقل يسلّك الأوضاع إلى حين عودة الظرف المواتي للاقتتال.

ليس هذا موضوعنا، وكي لا أضيع وقت القارئ العزيز، اسمحوا لي أن أتحدث في موضوعنا وأجمل الأسباب الكامنة وراء وجود أحزاب لبنانية اليوم بما يلي:

 أولاً - توفير فرص عمل وتحريك عجلة الإنتاج:

ساهمت الأحزاب اللبنانية في توفير آلاف فرص العمل في مجالات تخطيط اليافطات وطباعة الراية والملصقات وصور القيادات والشعارات السياسية والدعاية الحزبية والتحريض الطائفي وخطابات الكراهية على مدار العام، سواء في مواسم الانتخابات النيابية أو البلدية أو الطلابية، أو في مناسبات إحياء ذكرى شهيد أو وفاة شيخ أو اختفاء قائد أو مجزرة كبيرة أو جريمة على الضيّق؛ وهي قائمة مناسبة لا تنتهي. وقد حصرت ما معدّله ثلاث مناسبات يومياً على مدار العام تحرّك عجلة الإنتاج باستمرار.

ثانياً - إثراء القاموس السياسي:

إن كانت البرازيل تتفوق بكرة القدم، فإن لبنان لا ينافسه أحد في اجتراح شعارات بليغة، كيف لا وهو من أضاف إلى الوعي السياسي والدبلوماسية الدولية مفاهيم التوازن الطائفي والثلث الضامن والثلث المعطل وسلسلة الرتب والرواتب والفراغ الدستوري والشاغر الرئاسي والفريش دولار ويا ويلنا من بعدك يا أستاذ؟!

ثالثاً -  تطوير الصحافة والإعلام:

يعتبر لبنان من أهم الدول العربية في كار الحلاقة وأكثر من صدّر قامات صحفية وإعلامية تقصّ لنا نشرات أخبار أنيقة منمّقة موديرن بليغة سيكسيةً فيها سجع وطباق وتناصّ وجناس تنال من الخصوم السياسيين شرّ نيلة، إضافة إلى عديد الصحف والمجلات والمواقع الإخبارية التي ساهمت في تطور مجال الإعلام ليس فقط في لبنان بل في كافة المنطقة، مصدّرة لشاشات الجزيرة والعربية محللين سياسيين كوميديين وعسكريين قادرين على تمييز دخان الغارة الجوية من دخان القصف الصاروخي وتحديد عدد الضحايا برمشة عين. 

رابعاً - إطعام الناس:

كأي بلد عربي ليس خليجي، يعاني لبنان من مستويات فقر وبطالة تسببّت بأزمات عديدة في ظل غياب طاسة الرعبة عن توفير أي حماية للمواطنين، فتكفّلت الأحزاب في كل انتخابات بتوزيع المؤن والسكر والأرز والذبائح والأموال على المساكين من جيب أبيها الخاص مشكورةً.

شعورك تجاه المقال؟