تغطية إخبارية، رأي

هل يمكن إعادة تأهيل الآخر واستصلاحه؟

Loading...
صورة هل يمكن إعادة تأهيل الآخر واستصلاحه؟

وصلني هذا السؤال من أحد قرّائي الأوفياء شأنه شأن بقيّة جماهيري المتعصبة للحق، مستفسراً عن اليوم التالي للحرب في المنطقة وعن إمكانية التعايش مع من يبقى من الآخرين، وتشغيلهم لدينا وإطعامهم وسقايتهم وعلاجهم وتحمّل قرفهم رغم عقود من الغطرسة التي مارسوها علينا -مستفيدين من اختلال ميزان القوى لصالحهم- وتخلّي العالم عن معاناتنا من العيش في منطقة غالبّيتها العظمى من الآخرين، أو كما وصفهم جدّي -الدبلوماسي المخضرم- بالحيوانات البشرية في أحد أعماله الفلسفية الخالدة التي نُشرت في مجلة "نيتشر" المُحكمة. 

ذات مرة في شتاء عام ٢٠٢٠ زارني صديقي الفيلسوف والأخ الذي لم تلده أمي، جوردان بيترسون، وكان يعاني من الفيروس الصيني، وبينما كنت أحضر له قهوة مع مبيّض من نوعية كلوروكس، همسَ جوردان بصوت مبحوح قائلاً: أتعرف ما هو الجحيم يا مراد؟ الجحيم هو الآخر. لم أهتم كثيراً يومها بهذه المقولة التي أصبحت تدرّس في مساقات الفلسفة؛ لكنني أستحضرها اليوم للغوص في جوف القارئ العزيز وتقديم إجابة سيخلدها التاريخ شأنها شأن هذه الأطروحة التي أشاركها مع جماهيري المتعطّشة للغبّ من معرفتي حول مكنون الآخر ومقاس دماغه.

فسؤالك البريء عزيزي القارئ يترتب عليه إجابة ستكون مرجعاً في التعامل مع السوريين والآخرين بشكل عام، 

من سوريين وفلسطينيين ومسلمين وسوريين ودروز وشيعة وسوريين يعيشون بيننا، ستكون مرجعاً خلال المرحلة المقبلة التي تتطلب منا دستوراً جديداً سأكرّس وقتي وجهدي في صياغته بضمير لحمل الوطن على أكتافي والصعود به إلى قمّة المجد بكامل نظافته، شأنه شأن صعود سيرسي لانستر العرش الحديدي بعدما أحرقت المعبد على من فيه.

أذكر في مطلع شهر آذار/فبراير من العام ١٩٩٩، وصلَ مهاجر لبناني من أب ماروني وأم أرثوذكسية إلى البيرو سباحةً عبر الأطلسي ملتفاً حول القارة الأميركية الجنوبية وصولاً إلى شاطئ العاصمة ليما؛ بصق ما في جوفه من مياه مالحة وأسماك وكاليماري وقريدس وذكريات عن السوريين، ثم سار إلى منزلي طالباً الرحمة والشفقة. لم أردّ هذا الآخر خائباً، ومنحته وسادة خضراء ميموري فوم وفرشة زنبركية بارتفاع ٢١ سم مضادة للرطوبة وبطانية ٣٠٪ الصوف ٧٠٪ أكرليك وصحن شوربة عظام دافئ مثل قلبي، وكرّمته ووفرت له مكاناً لينام فيه بجانب أغلى ما أملك -سيارة الجي كلاس موديل ١٩٩٨ - في كراج بيتي؛ ووعدني بدوره ردّ الجميل بالعمل عندي مجاناً مدى الحياة مقابل أكله وشربه، والتزم بوعده ثلاث سنوات حتى وافته المنية إثر استنشاقه كمية كبيرة من البودرة البيضاء التي نعدها في المعمل الذي ورثته عن والدي.

قد تُصوّر قصة هذا الآخر المؤثرة أن الآخر يمكن إعادة تأهيله وجعله بني آدم؛ لكن احذروا الوقوع في فخ العاطفة كما وقعت في حب فتاة أخفت عني حقيقة أن لها أخاً معاقاً، إذ يوجد آلاف التجارب التي تؤكد أن الآخرين ليسوا كلهم كذلك؛ وكلّنا نذكر ما حدث مع أبي الشهيد الحيّ في واقعة الخيانة، عندما وافق على تشغيل لاجئ سوري في مصنع البودرة الذي يملكه وورثته عنه بعد استشهاده، وبعد عشرين عاماً من هذا الصنيع الذي فضّل على السوريين كلهم فيه، قُتل أبي في منزلنا أثناء مداهمة للشرطة البيروفية نتيجة وشاية كيديّة، وكان يرتدي بوكسر أبيض مثل قلبه تضرّج بدمه القاني الطاهر كقطرات النبيذ الذي يمثّل دم المسيح. بيّنت تحقيقاتي أن اللاجئ السوري هو من يقف وراء الوشاية؛ حيث لم يكن بيننا سوري سواه.

خذوا الفلسطيني كمثال، تفضلوا، خذوه، كرمى المسيح خذوه، فقد عجزت إسرائيل بكل تقدمها وتطورها وديمقراطيتها ووراءها كل الدعم الأوروبي والأميركي بإقناعه أن يتحضّر ويتعايش مع الواقع على مدار ٨٠ عاماً، فشنّ طوفان الزفت وسحل الرضّع في الشوارع واغتصب الحاخامين والحاخامات بلا سبب ولا هدف. مجرّد تقليد أعمى للمسلسلات التركية؛ أما بقية الآخرين باستثناء فؤاد السنيورة والأشقاء في الخليج، فيظهرون نزعة لحشرنا مع الشيعة في جهنّم.

يرى الصديق العزيز ورفيق الدرب في ثورتي على ثقافة الوعي، إيلون ماسك، أن الآخر يكمن في التفاصيل؛ وكل كل هذه المؤشرات وما تحمله من تفاصيل، فإن دلّت فهي تدلّ على أن الآخر لا يأتي من ورائه إلا وجع الرأس، وبدلاً من العيش في قلق وجودي وارتياب، لا بد من وجود موقف صارم اعتماداً على نظرية ميكافيلي الشهيرة "الباب الذي يأتيك منه الريح، أغلقه واسترح"، وإذا أردنا تطويعها ميكافيلياً لتناسب مستقبل المنطقة فإنني أعدكم بوضع مادة في الدستور تنص صراحة على إغلاق الباب على يد الآخر ثم قطعها وإلقائها للكلاب الضالة، قبل إرساله إلى السجن للعمل في الأشغال الشاقة مدى الحياة بيد واحدة، ما لم يصدر بحقه حكم آخر يتطلب إلقاءه في مزبلة التاريخ شأنه شأن من اغتالوا والدي ملك البودرة صاحب اليد البيضاء؛ لذلك لا تناموا بين القبور ولا تحلموا بمنامات موحشة.

شعورك تجاه المقال؟