هل يمكن رؤية النصر بالعين المجردة؟
قابيل آدم بني آدم - خبير الحدود في تخريب اللحظات السعيدة
٣٠ نوفمبر، ٢٠٢٤

تشهد الساحة العربية هذه الأيام موجة من الأفراح والاحتفالات الصاخبة، إذ قررت الجماهير وما تبقى من قياداتها إعلان النصر بعد توقيع اتفاق هدنة مع العدو الخانع الجبان الذي وقف بلا حول ولا قوة أمام طوفان الأقصى وتهديدنا له بغزو الجليل وإعادة تل أبيب للعصر الحجري، واكتفى بمسح غزة وتدمير الضاحية الجنوبية وقتل عشرات الآلاف وتدمير جميع مقدراتنا، العدو الخرع العاجز عن تحمل معركة طويلة دون أن يهوي اقتصاده ربع نقطة على مؤشرات التنمية، الذي تراجع أمامنا وقبل الصلح بمجرد قبول حزب الله ترك مواقعه وسلاحه والتخلي عن وحدة الساحات والمقاومة ومحاربة إسرائيل وجدوى وجوده.
لكنك قد تكون حشرياً ونكدياً فتسأل: أين هو النصر الذي يحتفل به أنصار الممانعة، ولماذا لا نستطيع رؤيته والإشارة إليه كما فعل أسلافنا حين كانوا يحررون الأرض ويطردون العدو ويفرضون شروطهم عليه ويدعسون على رأسه؟
ولعلك تسأل أيضاً إن كانت المشكلة بعيونك؟ أم أن النصر يحتاج لأدوات خاصة كعدسات كاميرات الجزيرة، أو أنه يحتاج مقويّات أكثر فاعلية من الجزر مثل القات والكبتاغون؟
الحدود أجرت دراسة شاملة لمعرفة إمكانية رؤية النصر بالعين المجردة، وعادت بالنتائج التالية:
يمكنك رؤية النصر إن كنت مستعداً بشكل جيّد، فالعين المناضلة تحتاج للتمرين على أداء مهام استثنائية لا يمكن لعيون المتخاذلين الضعفاء المشككين بمقاومتنا أدائها. تشمل هذه الاستعدادات التعرض لظروف قاسية تخرج الإنسان من حيز الراحة والدلال الذي اعتاد عليه خلال عصورنا الذهبية، فضلاً عن حرمانه أي نصر آخر ١٠٠ عام على الأقل، و نصيب نظام ديكتاتوري ممانع أو ميليشيا مسلحة مقاومة تتولى تدريب المواطن على التقشف وتلقّنه فنون نسيان الأمور الثانوية مثل الكرامة والمستقبل والازدهار، مع اقتصاد متدهور وعملة منهارة، وتلقي ما بين ست إلى عشر هزائم في حروب متتالية.
من شأن هذه التمارين خفض نسبة الدوبامين إلى ما دون الصفر. ونتيجة الكبت والحرمان تتلهف العين لأي بصيص أمل، وتصبح قادرة على اعتبار أي حدث نصراً عظيماً تتفاعل معه وتنبهر به، حتى لو كان مشهداً من لعبة لتدمير قوات إسرائيلية نشره أحد الإخوة في اللجان الإلكترونية على السوشيال ميديا على أنه حدث حقيقي في غزة أو لبنان.
حالة أُخرى يمكنك من خلالها رؤية انتصارات على مد البصر والشعور بنشوة مفرطة، وهي المواظبة على متابعة الجزيرة والميادين والمنار، أو متابعة حسابات حسين مرتضى وعبد الباري عطوان بدل إرهاق العين بالنظر إلى الواقع.
وأهم حالة يمكن رؤية النصر فيها بكل وضوح حتى لو أغمضت عينيك، هي أن يكون اسمك شلومو أو كوهين أو نتنياهو، تتغنوج على الدول العظمى لتعطيك مزيداً من المال والأسلحة، فتفتح الجبهات على مزاجك ومزاج مستوطنيك، بعد أن ضحكت استخبارات دولتك على أعدائك وباعتهم أجهزة بيجر مغشوشة مفخخة، فقأن بها عيون الآلاف منهم، واغتالت من تقوَّل بأن بيتك أوهن من بيت العنكبوت ومعه قيادات الصف الأول والثاني والثالث، وقلّصت أهدافهم من تحرير القدس إلى العودة لمعبر رفح وقرية الخيام وتسوّل وقف إطلاق نار. ورغم كل ما فعلته بهم يحتفلون بالنصر.