ماذا تتوقع من عيشك على كوكب يستمر بالدوران حول نفسه؟
آدم مؤزَّر - مدير معهد الحدود لدراسة الجدوى
١٩ نوفمبر، ٢٠٢٤
بالله عليك؛ ما الذي انتظرته من كوكب قضى أبدَيْن أو ثلاثة في الدوران؟ كوكب لاهٍ، أهوج، صفر وعي، صفر مشاعر، صفر أخلاق، لو كان لديه قليل من الحياء لفهم أن الدوران لا يليق بمن في ربع عمره، ولكنه يدور، وهات على انزياحات تكتونية وزلازل وتلبكات يفرغها لافا فوق رؤوسنا بلا ضمير؛ لأنه بلا الإحساس. هل فكَّر بنا يوماً؟ أبداً. قمَّةٌ في التمسحة.
وعلامَ يدور؟ لو أنّه يتّبع برنامج حمية لقلنا معه حق، ولكنه على شكله مثل الكرة لم يتغير منذ تعرفنا عليه، والقارات تعاني وتتفتق على ظهره. أتعرف متى كانت آخر مرة تلحلح فيها ليغير من حاله؟ قبل ١٢ ألف سنة، وماذا غيّر الشاطر؟ عدل محوره، فانتهى العصر الجليدي وغرقت أراضٍ وظهرت أراضٍ، وانقرض الماموث، وتفرق الخلق بين لاجئين ونازحين. وكل هذا مثل حذائه؛ لم يتوقف، تصوَّر أنه لم يكلّف خاطره أن يزيح إلى اليمين قليلاً حين هاجمته النيازك لتقضي على الديناصورات.
أعرف أنك مثلي متعب من العيش على هذا الكوكب التريدمل، وتتمنى لو يتوقف قليلاً لنلتقط أنفاسنا. الله يا كوكب لو أنك تتوقف لنشرب الشاي، سأعزمك على حسابي، فنرتاح قليلاً، وتتوقف بمعيتك الامتحانات، والابتلاءات، واللعنات. يتوقف الدوام، وتتوقف عجلة الإنتاج، ودورة الاقتصاد. تتوقف القرارات الدولية، والفيتوهات، والقذائف. تتوقف نشرات الأخبار التي تعرض مسؤولين يقولون إننا نسير على الطريق الصحيح. تنتهي الديكتاتوريات، ومعها الديموقراطيات، يتوقف اللف والدوران. نرتاح من استمرارنا بالجري دون أن نتقدم خطوة إلى الأمام، يتوقف التاريخ عن تكرار نفسه، يصل سيزيف بصخرته لرأس الجبل ويرتاح في ظلها. ينتهي العود الأبدي. نتفرغ للبدء بشيء جديد. أو عدم فعل شيء.
هل نصل هكذا إلى نهاية سعيدة؟ طبعا لا، هناك قوة طاردة مركزية وحقل مغناطيسي وقصور ذاتي ونكد الفيزياء. سنطير يا روحي، كلّنا، ومعنا المباني والمحيطات والشباشب وأبو بريص وأحافير الماموث والديناصورات، إلى جانب عجلة الإنتاج ودورات المياه والقرارات الدولية والقذائف وصخرة سيزيف. سنرى المسؤولين الذين يظهرون في نشرات الأخبار حولنا يطمئنونا بأن التوقف يسير وفق الخطة وأننا نطير في الاتجاه الصحيح؛ وكل هذا في لحظة سرعان ما نبدأ بعدها رحلة العودة للارتطام بأرض الواقع، إن لم تكن الرياح الشمسية قد عصفت بنا وبكأس الشاي الذي اشتريته على حسابي وأردت شربه على مهل.
أتود الحقيقة، الدوران أفضل، أنا أحبه أصلاً، وحين كنت طفلاً كان هوايتي المفضّلة؛ ناهيك أن لا طائل من تغييره، ولن ترتاح حتى لو توقفت الفيزياء ولم يحدث أي شيء من كوارث الطيران والارتطام، ستطلب أن نطفئ القمر أن ضوءه يزعجك أثناء النوم، وتشتكي من شروق الشمس بزاوية لا تليق بكرامتك؛ لذا، عليك أن تحب الدوران، انظر كيف يدور المتصوفة بسعادة حول أنفسهم. الكوكب يدور، المجموعة الشمسية تدور، المجرة تدور، الإلكترونات تدور حول الذرات الأشياء من حولك وفي جسمك، أنت محكوم بالدوران، قُم، دُر، وإن شعرت بالدوار اشرب بعض البابونج، مع أني أنصحك أن تتعلم الاستمتاع بهذا الشعور، فغيرك يدفع ما فوقه وما تحته ليحظى به.