ماذا سيحلُّ بالفن الشعبي المصري لو تحلى الأصدقاء بالقدر الأدنى من الوفاء؟
فتحي العترماني - صاحب جدع
١٣ نوفمبر، ٢٠٢٤
أنهى المتدرب الجديد حامد مزمار المقيم في القاهرة المسودّة الأولى من نصٍّ يعمل عليه، قبل أن يضعه بين يدي ويشكو صعوبة المضي به قدماً ويسألني بِلَوعة أن أساعده قائلاً "الحقني يا زميلي"، فلحقته ببساطة لكوني زميله، ولأنني أتمتع بحدٍّ مقبول من المهنية، ليتبين أنني ساعدت الناقد الموسيقي الاجتماعي الأستاذ حامد مزمار، الذي تخفى كزميل واستخدمني كبالون اختبارٍ، انفجر في وجهه منذراً بانهيار الدولة المدنية وتفكّك النظام الاجتماعي الحديث في مصر.
الأستاذ مزمار وبخني، وشرح لي بالنقاط التالية كيف يمكن أن يصبح سلوكي في ذاك الموقف تهديداً وجودياً وتصفية لآخر معاقل الصناعات الموسيقية في الوطن العربي القائمة على انعدام الصدق والإخلاص، لأنَّ ظهور ممارسات مثل ممارستي معه مجدداً في بعض البؤر المصرية، يعني اعتزال قاماتٍ مثل عمر كمال وحمو بيكا وانتقالهم للغناء للأطفال بدلا من التصدي لعلاج الجوائح الاجتماعية الكبرى بالفن.
من الخيانة الصغرى إلى الخيانة العظمى
لنفرض جدلاً أن الأصدقاء تحلوا بالوفاء، أو أن الزهرَ لعب وتبدَّلت الأحوال، فإن ذلك لن يشكّل انتهاكاً لقيم الموسيقى المصرية وحسب، ولن تتوقف الخيانة عند الحد الذي يعتقده أولئك الضالّون، بل ستمتدُّ إلى خيانةٍ أكبر تتمثل بخيانة ملايين المستمعين التوّاقين لسماع قصص الغدر والخيانة عند السابعة صباحاً وفي السهرات والأعراس وحفلات الطهور ومجالس العزاء.
الإبداع والهوية ثمناً للوفاء
يحذر الأستاذ مزمار من إمكانية أن يخلق الصدق والوفاء وغيرهما من الممارسات النبيلة أزمة هويّة في الفن الشعبي المصري "كيف يكون 'فنّاً' لو لم يدغدغ أحلك الأماكن في قلب المستمع؟ هل يكون 'شعبياً' فعلاً؟ أم أنه سيتحول إلى فن نخبوي، وأي 'شعبٍ' سيخاطب هذا الفنّ مع اضمحلال الهوية القومية الاجتماعية في زمن النوايا الحسنة والإفراط في التوقعات والرغبة الزائدة في التواصل؟".
ويضيف "حتى إن نجح أنصاف كتّاب الأغاني بتجاوز أزمة الهوية أو التأقلم معها، فإنهم سيضطرون حينها إلى مواجهة عقَبة غياب الدافع الإبداعي، فمن غير السهل رؤية الصديق بوِشٍّ ذو لونٍ واحد بعد أن اعتاد الكاتب رؤيته الوشوش بألوان. وفي اللحظة التي يجد الشاعر نفسه يكتب فيها عن وجود الأصدقاء بجانبه وتذكّرهم رقم هاتفه وعنوان بيته يتوقّف عن كونه شاعراً ويصير كاتب بطاقات أعياد ميلاد".
تراجع مستقبلي
مساهمة الصحاب الجدعان باندثار الفن الشعبي المصري، ستُمهّد الطريق أمام نجوم الصف الأول للعودة إلى الصف الأول، وفي زمنٍ ظنَّ العالم فيه أنه طوى صفحة التباكي على الشريكات وحوَّل قصص نهاية العلاقات إلى مهرجاناتٍ فرفوشة يحييها محمد رمضان، سيجد نفسه مجدداً أمام ترجّيات إيهاب توفيق ودموع حمادة هلال الدائمة.
هل يصمد الاقتصاد العالمي؟
لن يتوقَّف الأثر عند الفن الشعبي المصري نفسه، بل سيلقي بظلاله الثقيلة على مشهد الاقتصاد العالمي، في ظل غياب مُستهلكين لأطنان جِل الشعر الذي يتسهلكه عازفو الأورغ ونظاراتهم الشمسية الليلية المخصصة للأماكن المغلقة وقمصانهم المعرَّقة وأورغات الكاسيو والياماها المبرمجة على مزمار عبد السلام وصوت العصفور الذي يطيّر العقول والفقاشات.