الحدود ترصد معاناة المواطنين في ظل الحرب الغاشمة جراء انقطاع الحشيش
فتحي أبو زئير - فريق تحرير الحدود
٠٥ نوفمبر، ٢٠٢٤
المأساة وطنية، والأزمة وجودية. السائقون باتوا أقل صبراً والموظفون أكثر تجهّماً. هالات الأسى تؤطر عيون الشباب الذين وجدوا أنفسهم بين ليلةٍ وضحاها يفكرون جدياً في المستقبل. ظهرت لدينا مشاعر ظننا صفحاتها طويت مثل الملل والفراغ والفقر، الكل يعيش حياته بوضوحٍ شديدٍ غير مُحتمل وقد اختفى منها زر الـ "ميوت" وبات عادياً أن يُطلب مني كتابة تقرير صحفي وأنا بكامل وعيي!.
منذ نحو عام وأزمة الحشيش من سيء إلى أسوأ والجهات المختصّة تتجاهل تقصيرها؛ إذ يشير تقرير صادر عن مركز ماري لدراسة وجوه المواطنين أن آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة لم تستهدف البشر والحجر فقط، بل امتدّت لخُبز الحياة والذهب الأخضر بشكلٍ ممنهج ضمن إطار حملتها لحرمان شعوب المنطقة من التصالح مع قدرهم والتصرّف بثروات أرضهم وسهول بقاعهم، كل هذا في ظل صمت وتقاعس رسمي تمارسه السلطات التي تحتكر سوق الحشيش والأفيون، فلا هي وقفت في وجه الاعتداءات الإسرائيلية ولا سمحت بخصخصة السوق وفتحه أمام بضائع أجنبية نظيفة.
الشاب سمير، ٢٦ عاماً، أردني يعمل سائق تطبيقات يقول إنه لم يدخّن ولا سحبة واحدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر؛ ورغم ذلك تمالك نفسه عن عضّ الركاب ودهس المارّة وتصفية شرطي المرور الذي خالفه مرتين في نفس اليوم؛ إلى أن نزل على وجهه خبر ارتفاع سعر البنزين في ظل انخفاض أسعار الوقود عالمياً كالصاروخ ،فوجد نفسه مضطراً لطبخ الملوخية بالأسيتون وتجفيفها علّها تُصلح ما أفسده التشديد على الحدود السورية.
أما الديلر وسيم، ٣٣ عاماً ويعمل حلاقاً غير متفرغ في بيروت، فيرى أن هذه الأزمة ليست مجرد فجوة غير مسبوقة بين العرض والطلب دفعته إلى البحث عن بقايا خضراء بين أكوام الشعر المتناثر على أرض صالونه، بل أزمة تمس الهوية الوطنية لأمّةٍ تلفّ مما تزرع؛ فزبائن صالونه لا يكترثون للحلاقة ولا لكونه حلاق "من نحن الآن، هل بتنا نعيش واقعاً موازياً يدور حول قصات الشعر وطول الذقون؟ أنحنُ بضعة شبّان تنشطنا القهوة وتهدئنا الملّيسة؟ كسمك عند ساعة المساء".
"أعطنا حشيشنا كفاف يومنا"، هذا ما دعت به المواطنة السورية صباح، ٤٠ سنة، عندما دخلتُ غرفتها المتنسّكة بها منذ شهرين دون أن ترى ضوء الشمس لإجراء المقابلة، والتي استهلّتها بسؤالي: "أتعرف ما هو الوطن يا فتحي؟ الوطن هو أن أن تتّصل بأبو مؤيد مضايا وتقول له: انقطعت، فيقول لك: خسى…. رحل الوطن، ورحل الحشيش، ولم يعد أبو مؤيد يرد على المكالمات".
أنا وسمير ووسيم وصباح يجمعنا أمل واحد من نقل هذه الأصوات، وهو أن تستجيب السلطات لهموم وتطلعات شبابها وتوفّر بدائل عن اغتيال منتجي وموزّعي الحشيش اللبناني على يد العدو الإسرائيلي، وتوفير خطوط إمداد جديدة بديلة عن الفرقة الرابعة إضافة لتسهيل وصول البضائع وتوفير مصادر بديلة لملء رأس الشعب عبر الحدود الأردنية، وإلى حينها، يبقى سؤال الكَيف معلّقاً آخذاً معه المَن والماذا والمَتى.