إدراج منهج سقراط في مبادئ التربية الحديثة
مايكل أبو العاص - مراسل الحدود لشؤون الواع والويع
٠٦ سبتمبر، ٢٠٢٤
في عالم صغير ومتسارع، لم يعد ممكناً تعريف التربية الحديثة على أنها حديثة فقط، فما كان يصلح بالأمس ليكون حديثاً باتَ اليوم سلوكاً وحشياً يؤذي الطفل ويعقدّه ويجعل منه قاتلاً متسلسلاً في المستقبل؛ فكان لا بدّ من وضع مجموعة من المبادئ الواضحة القابلة للتطوير للاستناد عليها في مواكبة التربية ما بعد الحديثة، وليس هنالك ما هو أفضل من أن تكون هذه المبادئ نابعة من تجارب الآباء والأمّهات أنفسهم، كما حدث مع عائلة شدّ الباب التي ساهمت في إدراج الفلسفة ضمن التربية لتنشئة جيل مبدع مثقف مفكر متّزن لا يصبح قاتلاً متسلسلاً في المستقبل.
نشأ السّيد وليد شدّ الباب وفي فمه شبشب من جلد، دحشه له والده عندما كان عمره ثلاث سنوات لفشله في السّير ١٥ كيلو متراً دون توقّف، ومن حينها أقسمَ وليد أن ينحّي الشبشب ويستخدم العقل والنقاش والفكر في تربية أبنائه؛ أما زوجته السيدة هنادي فتعرّضت في طفولتها لأصناف من التعنيف اللفظي جرّاء تأخرها في عمل النونو في دورة المياه؛ فوجدت في وليد شريكها الأمثل لتأسيس أسرة حديثة تحترم الطفل والطفولة وثقل دم الأطفال وحقهم في أن لا يصبحوا قتلة متسلسلين في المستقبل.
بعد سنة من زواجهما أنجب وليد وهنادي بكرهما حمّودة الصّغير؛ وفي الليلة الأولى للعضو الجديد في العائلة ملأ صراخه البيت عليهما وبثّ فيه الحياة، مصرّاً على الواع واع طوال الليل دون أن يحدّد ما الذي يزعجه، يقول وليد "فقدت أعصابي وحملت الشبشب لإسكاته، قبل أن تحمل الفردة الأخرى أم حمّودة وتذكرني أنه ما هكذا تورد الإبل، فخزيت الشيطان وصنعت له رضعة وبدأت أناقش معه إبستمولوجية البكاء الساعة الثالثة صباحاً من منطلق فكري بحت".
وليد يرى أن هذه الليلة تحديداً هي من أسست لما وصلت إليه منهجية التربية الحديثة "وضعت الرضعة في فمه وسألته بهدوء: لماذا تبكي يا بابا؟ بلعَ الحليب وهدأ تعابير وجهه، فأردفت: إذا كنت واع حالياً فهل يعني ذلك أنك واع بالمطلق؟ وإذا كنت واع بالمطلق، فهل هذا يعني أن والدك يتكلم لغة الواع ياترى؟ لا يا بابا، لا يا حبيبي، فأنهى الرضعة ونام بهدوء".
تختلف هنادي بالرأي مع زوجها، فهي تعتقد أن اللحظة الفارقة كانت بُعيد بلوغ حمّودة عامه الأول "كان يحبو واصطدم رأسه في رجل الطاولة وبدأ بالبكاء حتى احمرّ وجهه، وباءت كل محاولتي لطمأنته وتهدئته بالفشل وكلّما طبطبت عليه أكد لي أنه واع واع على هكذا عيشة؛ وللحظة كدتُ أن أفقد أعصابي وأتناول جنبه بالشبشب لكنني صليت على النبي وقررت استعمال أسلوب آخر بما أن أسلوب والده الابستمولوجي لم يفلح بعد مرور أكثر من سنة على إطلاق جدله معه".
تضيف هنادي "قدمتُ له الآيس كريم وأجلسته في حضني ليلعقها، واستخدمت المنهج الديالكتيكي المادي في النقاش، فأمسكت برأس حمودة وقلت له: ما هذه يا ماما؟ قال حمودة راثي، فقلت له: بما أن هذا رأس فهو موجود لأننا يمكننا لمسه والشعور بالألم، إذاً عليك أن تكون ممتناً للطبيعة لمنحك رأساً يؤلم، فعضّ حمودة على البوظة وتناولها بشراهة وتوقف عن البكاء إلى أن ذكرته الطبيعة بامتلاكه حلقاً يؤلم".
لا يتفق وليد مع زوجته، ويرى أن العمل تراكمي وليس إحلالياً، فالابستومولوجية أسست لاستقبال الطفل الديالكتيك برحابة، وهذا ما يثبته استجابته للمنهج السقراطي في عامه الثاني دون أي عوائق ديوجينية "عند اتخاذ أول خطواته في المشي، هوى على ركبته وراح يبكي متبعاً منهج الواع والويع، وفشلت كل محاولاتنا لتهدئه حتى كدتُ أنا وهنادي أن نسلخ جلده ابن الكلب هذا، لكننا نظرنا لبعضنا وشعرنا بالتروما وتشوّه السيلف إستيم ومعاناتنا مع الأب النرجسي؛ فقررت تجربة المنهج السقراطي".
يتابع وليد "قلت: حمودة حمودة، فرد حمودة يس بابا، فقلت: أتبكي فعلاً؟ قال حمودة يس بابا، فقلت: هل هذه دموع؟ فأجاب حمودة نو بابا، فقلت: تيلينج لايز؟ قال حمودة: نو بابا، فقلت: إذا ركبتك لا تؤلمك يا عرصصصص، فضحك حمودة وعض على الشبشب لأنه كان يسنّن حينها، ومن وقتها وحمّودة يناقش كل شيء بالجدل وطرح الأسئلة كأي طفل".
هذه التجربة دفعت جمعية الأيادي الحنونة للتواصل مع أبو حمودة وأمه، وإدراج المنهج السقراطي في كورساتها الموجهة للأمهات والآباء الجدد، وإضافتها إلى دورات تدريب الأم على الإرضاع الطبيعي، واستخدامها في ترجمة كلمات أغاني كوكوميلون التي تنشرها الجمعية على حسابها المخصص للأعضاء الذهبيين، مما جعلَ طريقة آل شدّ الباب منهجاً تربوياً معاصراً يساعد ملايين الأسر.