من أين استورد الغرب المواد الأولية لصناعة داعش؟
فتحي العترماني - انتحاري متقاعد
٠٣ سبتمبر، ٢٠٢٤
رغم تأكيد الشيخ أسامة طيَّب الله ثراه لنا منذ أكثر من عقدين، وعبر شاشة الجزيرة، أن أعضل المعضلات توضيح الواضحات، كان الإنسانُ الليبرالي الحديث أكثر شيءٍ جدلاً، فراح يشكّك بحقيقة أن تنظيم داعش صناعة غربية هدفه تشويه صورة الأمّة، بدعوى أنه "لو كان كذلك فمن أين له بالمواد الأولية؟" ضارباً بعرض الحائط كل الأدلة المتوفرة على ذلك من صورٍ لمكتب كلينتون في الموصل ومشروع الفوضى الخلّاقة لكونداليزا رايس الذي عمل الأميركان على حذفه من مختلف الأماكن، بما فيها رأس رايس نفسها ومراسيم عفو رئاسية مرّرها الغرب إلى داخل زنازين المتطرفين.
من حق الإنسان أن يسأل، ومن حقّ الزميل مايكل أبو العاص المتخصص بالردّ على الشُبهات أن يلعن أبا أبيه، لكنه في إجازة لحُسن حظ السائل، لذا سأبيّن في هذا المقال المستند على البيانات والوثائق الخاصة التي حصلت عليها من مجموعة أسرار الجدار الجليدي المُغلقة، مصدر المواد الأولية الضخمة التي يحتاجها تنظيم متعدد الجنسيات لديه عشرات الفروع حول العالم، ودور الاقتصاد الغربي المُعولم باستيرادها خاماً وتصديرها لنا تنظيماتٍ متطرفة.
فتاوى مدسوسة في كل مكان
تنظيم بحجم داعش يحتاج مقولة سياسية تجذب المشترين، وهذا ما أدركه الغرب منذ اللحظات الأولى للتخطيط؛ فنشر مندوبيه في البلاد الإسلامية ليتنكّروا على هيئة دور نشر تطبع أعمالاً عفى الله عمّا مضى منها وبلا حقوق نشر كـ "الجهاد – ابن باز" و"فقه الجهاد – ابن تيمية" وتطبع أغلفتها على كرتون مقوى بزخارف إسلامية مذهبة وعناوين بخطوط كلاسيكية مشكلة تشبه غلاف القرآن، تضفي عليها هالة من القداسة، ومن ثم يرسلونها إلى مكتبات وبسطات كُتب زرعها الغرب وسط الأسواق الشعبية لترويج تلك الأعمال بأسعارٍ زهيدة وعرضها على الواجهات لغواية المارّة والتغرير بهم لشرائها والإيمان بأفكارها والتقدّم بطلبات الانتساب إلى التنظيم في أقرب سفارة أميركية.
نصوص مقدسة مُقتطعة من سياقاتها التاريخية
لعب الاستشراق الخبيث لعبته؛ فالمستشرق يعرف تشبّث أبناء المنطقة بعقيدتهم بخلاف حثالة الأمم الآخرين. فجمع الغرب الأحاديث الضعيفة المرفوعة مثل "إنَّ سياحة أُمَّتي الجهاد" والأحاديث الصحيحة الموقوفة مثل "أتسمعونَ يا مَعشر قُريش؛ أما والَّذي نفسي بيده، لقد جئتُكُم بالذَّبح" المُقتطَع من سياقه، وأعادوا إدراجها في مناهج المدارس الشرعية والجامعات والمساجد التي موّل الغرب تشييدها بمنح وديون ليفوق عددها الوحدات السكنية، بينما كانت الرقابة تدير وجهها إلى المستقبل.
حاضنة شعبية ومقاتلون أشدّاء على الكفار رُحماء بينهم
لا ريب أن علماء الغرب استقوا علمهم من القرآن وأقرّوا بمعجزاته، فتعمّدوا تضليلنا عن تأويله الصحيح لينفردوا بالعلم والتقدم، وفيما هم منهمكون بإحصاء فشلهم في تدريب شُبّان أميركا الجنوبية وشرق أوروبا وسائر المناطق القابعة تحت استعمار الغرب على التطرف لتشويه صور أُمَمِهم، وجدوا في دراسة أميركية أننا كُنّا خير أمّة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره الفاسقون ولو كره الخاسرون ولو كره من كره من السفلة حطبُ جهنَّم الذين حقَّ عليهم القول، ولم يعد هناك داع لخوان وأوليڤر وبحوزتهم بَسالة أبو القعقاع وحُسن توكّله على الله الذي يرمي عنه عند الحاجة بخلاف الآخرين.
ظروف اقتصادية تراثية
تقول علوم التاريخ إن هذا هو المسار الحتمي والطبيعي للمجتمعات البشرية؛ الفقر والبطالة في الموصل أو الرقة ينتج عنهما قتل الإيزيديين الكفرة والشيعة المَجوس وفتح النار على حفل في موسكو والطعن في برلين. وفي هذه الحالة، لم يضطر الغرب لاستيراد ظروف اقتصادية صعبة دخيلة علينا كما فعل في العوامل أعلاه، فوجدها أكثر القطاعات ازدهاراً واستغلها لتغذية مشروعه التكفيري بدلاً من تعزيز مشاريع اليو إس إيد ومشاريع الإنماء وتمويل الإن جي أوز.
أنماط ثابتة لا يراها من على قلبه غشاوة
في حال لم تقتنع، طز. فلا تسأل الله غداً لمَ حشرك أعمى وقد كنت بصيراً، هذا لأنك اخترت عدم النظر إلى الأنماط التي أنتجتها المشاريع المصنوعة غربياً وتستنتج بنفسك! فهم من صنعوا تنظيم القاعدة، وعندما خرج عن السيطرة حاربوه في أفغانستان، طوّروا دوري أبطال أوروبا عام ١٩٩٠ للتغطية على حرب الخليج، وهاهم يغيّروه اليوم للتشتيت عن غزة، وصنعوا فيسبوك عام ٢٠٠٤ لإلهاء أجيال الأمة الصاعدة عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وعندما خرج عن السيطرة جرجروه إلى قاعات الكونغرس لمحاكمته، وصنعوا فيروس كورونا في مؤخرة وطواط صيني مصاب بالإسهال وعندما خرج عن السيطرة حاربوه بإبقائنا في المنزل ريثما يشحنوا بطاريات "الحَمام" الذي اكتشفنا أنه درون يتغوّط فيروسات، فإذا أتتك كل آياتنا هذه فنسيتها كذلك غداً ستُنسى، فاذهب إلى مزابل التاريخ ولا تعطّل مسيرة وعينا وتحررنا.