لماذا يرفض الفلسطينيون التنازل عن ٦٠٪ من ٣١٪ من مساحة أرضهم التي حصلوا عليها في أوسلو والاكتفاء بـ ١٨٪ منها حتى عقد أوسلو جديدة تعطيهم دولة كاملة على ٦٪ من أرضهم؟
نجم أبو النجوم - باحث وكاتب ومفكر وناشط ليبرالي وقارئ كتاب سيكولوجيا الجماهير ثلاث مرات
٠٤ يوليو، ٢٠٢٤

صحيح أن إسرائيل دولة احتلال، ولا أقول هذا إرضاءً لمشاعر الرعاع من جماهير وذيول إيران والإسلام السياسي، لكنها تبقى دولة ديمقراطية تشرب وتبيع الكحول شئتم أم أبيتم، نظامها القضائي لا يحكم بالإعدام ولو بحق فلسطيني قتل مستوطناً أثناء حرق أشجاره ولا يفرض الحجاب على المرأة اليهودية، وفيها تداول سلمي للسلطة أوصل سابقاً دعاةً للسلام إلى الحكم وتوقيع اتفاقية أوسلو ومنح الفلسطينيين حكماً ذاتياً على ٣١٪ من الأرض رغم قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بها كلها.
لكن في خضم معركة استفزازية خاسرة فرضها زعران حماس للقضاء على الحل السلمي الذي كاد يقترب من تحقيق طموحات الفلسطينيين بدولة مبعثرة هنا وهناك ضمن حدود صفقة القرن، نقف في الأوساط الثقافية مذهولين أمام رفض الفلسطينيين المتكرر للعروض السخية التي تقدمها إسرائيل لإنهاء هذا الصراع، كتشجيعهم على الهجرة ومنحهم الإقامة في دول أكثر تحضراً مثل سيناء، ورفضهم المساعدة في تنظيف غزة والضفة من الميليشيات الملتحية، وآخرها استنكارهم فكرة سموتريتش بضم ٦٠٪ من أراضي الضفة لحكم مدني إسرائيلي مؤسساتي، دون أي تقدير لمقاومته إغراء فكرة ضمها كلها.
يبدو أن الفلسطينيين يرفضون النظر إلى الـ ١٨٪ الملآن من الكأس ولا يريدون مصلحتهم؛ فبقاء أراض تحت سيطرتهم يعني توفر وقت كاف لإيجاد بديل لحماس والتصرف كبشر حضاريين يريدون العيش بسلام مع جيرانهم، حيث ستمتد إليهم ألف يد للسلام حينها لعقد اتفاقية أوسلو جديدة على كيف كيف ربّهم انطلاقاً من الحقائق التالية:
أولاً- أثبتت إسرائيل أنها تسعى للسلام حتى بعد اغتيال رئيس وزرائها اسحق رابين لتنازله عن أراض إسرائيلية، فجميع الحكومات المتعاقبة عملت جاهدة على منع استيطان مدن الضفة كاملة وأجبرت المستوطنين على العيش في غيتوهات على أطراف المدن الفلسطينية وليس في وسطها.
ثانياً - تحترم إسرائيل اتفاقيات سلامها، بدليل أنها قائمة سمنة على عسل مع مصر والأردن، ولحقتها الإمارات والمغرب والبحرين، ولم يشكُ أحد أو يشنّ حرباً عليها؛ بل على العكس، فالتجارة والتصدير عال العال وازدادت خلال الحرب القائمة بل وفتحت جسور بريّة جديدة بينما أغلقت المعابر مع الفلسطينيين!
ثالثاً - في المقابل، لم يتبقَ طرف لم يتخلص من الفلسطينيين أو يريد التخلص منهم، بداية من الأردن في السبعينات مروراً بلبنان في الثمانينات والخليج في التسعينات والأردن مجدداً في الألفية وها هي قطر تستعد لركوب القطار قريباً، لكن هل سمعت عن دولة على علاقة مع إسرائيل وترغب بقطعها أو طرد رعاياها؟
رابعاً - معروف عن إسرائيل تقديمها التنازلات مقابل العيش بسلام مع الفلسطينيين، لكن ما يعرف عن الفلسطينيين هو تشبّثهم بالشبّر وطمعهم بأشبار أخرى قبل أن يخسروها بالقوّة في حروب فرضوها على إسرائيل.
خامساً - فشل الفلسطينيون بحفظ الأبجدية وإدارة دولة تتكون من مناطق "أ" و "ب"، فكيف بدولة كبيرة من النهر إلى البحر أو حتى على حدود ٦٧ فيها جيم ودال وهاء؟ وإلى حين عقد أوسلو جديدة لن يكون هناك ما يكفي من الفلسطينيين للعيش في مساحة ١٨٪ أصلاً بسبب مغامرات حماس الهمجية، وحينها سيكون عليهم النظر إلى مساحة ٦٪ برضا، وعدم تكرار أخطاء الماضي بالمطالبة بأكبر مما يستحقون، هذا إن عرض عليهم هكذا حلّ أصلاً ولم يفت الأوان.